الوسط: المؤشر على ارتفاع أو انهيار سقف حرية التعبير
لندن- رابطة الصحافة البحرينية_ 12 مارس 2018: كما كان إصدار صحيفة الوسط 7 أيلول/ سبتمبر 2002 مؤشرا إيجابيا على ارتفاع سقف حرية التعبير في البحرين، فإن إعلان وقفها 4 يونيو/ حزيران 2017 كان أحد أبرز الدلالات على التراجعات التي تشهدها المملكة منذ العام 2011.
صحيفة الوسط المستقلة، كانت إحدى ثمار مشروع إصلاحي أعلن عنه آنذاك أمير البلاد حمد بن عيسى آل خليفة (مطلع الألفية الجديدة) ضمن تفاهمات مع المعارضة السياسية في البلاد تقضي بإنهاء الاحتقان السياسي الذي شهدته تسعينات القرن الماضي.
وبطلب من الراحل الشيخ عبدالأمير الجمري (زعيم المعارضة ووالد رئيس تحرير الصحيفة منصور الجمري)، وافق الملك حمد بن عيسى آل خليفة على منح ترخيص لتأسيس صحيفة تتمتع بالاستقلالية عن الأجهزة الحكومية.
بعد عودته من منفاه في لندن، رفض منصور الجمري تقلّد أية مناصب حكومية، واختار العمل على تأسيس صحيفة الوسط، التي عكست تركيبة المستثمرين والعاملين على تأسيسها فسيفساء المجتمع البحريني الذي كان يتعطّش للتعبير عن نفسه بحرية.
خلال لقائه أعضاء عن مجلس الإدارة والتحرير (3 مارس/ آذار 2002) رحّب الملك حمد بن عيسى آل خليفة “بصدور صحيفة الوسط البحرينية الجديدة بمساهمات مشتركة تعبّر عن نسيج مجتمعنا البحريني المتآلف” كما قال.
اللقاء الذي جرى في قصر الصافرية بحضور ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حضره رئيس مجلس إدارة الصحيفة فاروق المؤيد، نائب الرئيس فيصل جواد، رئيس التحرير منصور الجمري، المحاسب القانوني جواد حبيب، مدير التحرير وليد نويهض.
طرحت الوسط أسئلة وقضايا بطريقة لم تكن معتادة على البحرينيين. لأول مرة تمت مناقشة الملك بصورة مباشرة عن نظرته للاضطرابات التي شهدتها البلاد، جدّيته في مشاركة القرار مع المواطنين، التجنيس، توظيف جميع فئات الشعب في الأجهزة الأمنية، والفساد الإداري والمالي وغيرها من الموضوعات الحسّاسة.
شكّل ذلك الحوار انطلاقة قوية للصحيفة الثالثة في ترتيب الصحف اليومية بعد عقود سيطرت فيها وجهة النظر الرسمية على العمل الصحافي عبر صحيفة أخبار الخليج (تأسست فبراير/ شباط 1976) وصحيفة الأيام (تأسست مارس/ آذار 1989).
إن أجواء حرية التعبير الاستثنائية تلك، واستقلال الصحيفة عن مراكز النفوذ الرسمي سمح لها أن تنطلق من رؤية مغايرة في متابعة وتحليل الأحداث السياسية والقضايا الاقتصادية والاجتماعية.
كان سماح الحكومة بإشهار المزيد من الصحف دليل آخر على ارتفاع سقف حرية التعبير في البلاد، التي عرفت على حجم تعدادها السكاني الصغير تأسيس 4 صحف يومية أخرى: الميثاق (تمت تصفيتها 2006)، الوطن (لا زالت تمارس نشاطها)، الوقت (تمت تصفيتها 2010) والبلاد (لا زالت تمارس نشاطها)، بالإضافة إلى 3 صحف أسبوعية: العهد (تمت تصفيتها) أسواق (تمت تصفيتها) والنبأ (لا زالت تمارس نشاطها).
بعد 7 سنوات من انطلاقتها، صنّفت مجلة “فوربز – الشرق الأوسط” الصحيفة في المركز الأول على مستوى البحرين، والمركز 15 ضمن قائمة أقوى 50 صحيفة مطبوعة حضوراً على الإنترنت في العالم العربي.
بقدر ما تمكنت من النجاح تجاريا والاستمرار في سوق محدود، استطاعت الوسط المحافظة على مسارها رغم الاضطرابات والتحولات السياسية التي كانت تشهدها البلاد حتى الاحتجاجات البحرينية المستوحاة من الربيع العربي.
في14 فبراير/ شباط 2011 انطلقت شرارة احتجاجات خرج فيها عشرات الآلاف للشوارع للمطالبة بمزيد من الإصلاحات، قبل أن تفشل جهود الحكومة والمعارضة في التوصل لتسوية سياسية تخرج البلاد من أزمتها الخطيرة.
تعاملت الوسط بمسؤولية في تغطية وتحليل الحراك الشعبي في البحرين، ودعمت جلوس الحكومة والمعارضة على طاولة الحوار للوصول إلى حلول وسط تنهي الاحتقان السياسي الذي خلّف عشرات القتلى والجرحى.
كانت الوسط تبدو مختلفة في تعاطيها مع الأحداث عن بقية الصحف الأربع أخبار الخليج، الأيام، الوطن والبلاد التي كانت تتبنى وجهة النظر الرسمية.
كغيرها من المؤسسات التي رشحت عن الانفتاح الذي شهدته البحرين مطلع الألفية الجديدة كانت الوسط إحدى أهداف حملة أمنية واسعة أعقبت طرد المحتجين من دوار اللؤلؤة مركز الاحتجاجات الشعبية منتصف مارس/ آذار.
في 2 أبريل/ نيسان أعلنت هيئة شؤون الإعلام إيقاف صحيفة الوسط بعد اتهامها خلال برنامج تلفزيوني بنشر “أخبار غير صحيحة حول الأحداث التي شهدتها البحرين مؤخرا” في الفترة بين 25 -29 مارس/ آذار.
أعقبت الحلقة ضغوطا لعزل رئيس التحرير منصور الجمري من منصبه، بعد أن أعلنت النيابة العامة رفع قضايا بحقه وبحق آخرين في الصحيفة، بتهمة نشر تلك الأخبار. تحت الضغط أعلن مجلس الإدارة 4 أبريل/ نيسان عن إقالة الجمري ومدير التحرير وليد نويهض ومسؤول الأخبار عقيل ميرزا من مناصبهم، وتعيين الكاتب عبيدلي العبيدلي خلفا للجمري لتستأنف النشر في اليوم التالي برؤية غير تلك التي اعتادها قراؤها.
بعد 4 أشهر، قال بيان رسمي إن مجلس إدارة الصحيفة عقد اجتماعا (4 أغسطس/ آب 2011) برئاسة نائب الرئيس فيصل جواد وناقش الأوضاع الحالية الخاصة بصحيفة الوسط، وقرر إعادة تعيين منصور الجمري رئيساً للتحرير، وذلك بأغلبية الأصوات وفقاً لأنظمة الشركة وقوانين البحرين”.
الجمري أعلن في حوار مع قناة الحرة الظروف التي أحاطت بنشر الأخبار غير الصحيحة، وقال إن الوسط تعرضت لهجوم مسلح وتمت محاصرتها من قبل الأجهزة الأمنية منتصف مارس/ آذار. “لقد أجبرنا حينها على العمل من منازلنا في ظروف صعبة” أضاف الجمري.
وأكد أن مصدر الأخبار كان عن طريق مزوّد سعودي، مشيرا إلى أنه عرف لاحقا الجهة البحرينية التي بعثت بالأخبار المزورة لذلك المزوّد الذي بدوره أرسلها على بريد الوسط بصياغة لا توحي بأنها غير صحيحة.
على الرغم من حملة المضايقات المحلية، تمكنت الوسط من حصد جوائز دولية عدة، كان أبرزها إعلان لجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك (4 أكتوبر/ تشرين الأول 2011) عن منح رئيس تحرير الصحيفة منصور الجمري “الجائزة الدولية لحرية الصحافة للعام 2011”.
في حفل توزيع الجوائز أقامته اللجنة في نيويورك أشار الجمري في كلمة أمام الحفل إلى الحملة الممنهجة التي تعرضت لها الوسط ومن بينها مقتل المساهم والناشر كريم فخراوي تحت التعذيب إلى جانب الاعتداء على محررين ومصورين، إلى جانب مهاجمة مبنى المطبعة.
كما حازت الصحيفة على أعلى درجة (7 درجات) في العام 2012 في “مؤشر المصداقية العالمية” الذي أطلقته “مؤسسة القرن المقبل” على هامش الحفل السنوي لتوزيع جوائز الصحافة والإذاعة المسموعة والمرئية على المتميزين في العام 2011 – 2012، وذلك في مقر نادي اكسفورد وكامبريدج في العاصمة البريطانية.
لم يشفع ذلك للصحيفة، ففي (6 أغسطس/ آب 2015) قررت هيئة شؤون الإعلام وقف صدور وتداول صحيفة الوسط حتى اشعار آخر، وذلك لمخالفتها القانون وتكرار نشر وبث ما يثير الفرقة بالمجتمع ويؤثر على علاقات مملكة البحرين بالدول الأخرى. تبيّن لاحقا أن سبب الإيقاف هو نشر خبر لا يصف قتلى سعوديين في اليمن بـ “الشهداء”، وهو الخبر الذي نقلته الصحيفة كما جاء على موقع قناة العربية السعودية على الانترنت.
بعد حملة انتقادات واسعة من الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوقية، قررت وزارة شؤون الإعلام السماح للوسط باستئناف نشاطها مجددا بعد تعليقها ليومين.
استمرت لعبة الإيقاف والسماح بالنشر، حتى العام 2017، فقد عادت وزارة شؤون الإعلام لمعاقبة الوسط (16 يناير/ كانون الثاني) لكنها اختارت هذه المرة إيقاف نشرها إلكترونيا فورا وحتى إشعار آخر؛ لعدم تقيدها بالتوجيهات الرسمية فيما يتعلق بتغطية إعدام 3 نشطاء بحرينيين (14 يناير 2017).
لم تفصح الوزارة عن السبب الحقيقي واكتفت بالقول إن القرار جاء “نظرا لتكرار قيام الجريدة بنشر وبث ما يثير الفرقة في المجتمع، وروح الشقاق والمساس بالوحدة الوطنية وتكدير السلم العام”، لكنها سمحت في (19 يناير/ كانون الثاني 2017) للصحيفة بالنشر على الانترنت مجددا.
كانت الصحيفة المعارضة على موعد جديد مع إيقافها، لكنه كان الأخير. أعلنت وكالة أنباء البحرين أن وزارة شؤون الإعلام قررت وقف إصدار وتداول صحيفة الوسط حتى اشعار اخر. وقالت الوزارة إن الصحيفة خالفت القانون وكررت نشر وبث ما يثير الفرقة بالمجتمع ويؤثر على علاقات مملكة البحرين بالدول الأخرى، وذلك لنشرها مقال في عدد اليوم الموافق (4 يونيو/ حزيران 2017) في الصفحة 19 والمتضمن إساءة لإحدى الدول العربية الشقيقة.
كان المقال المقصود للكاتب الصحافي قاسم حسين تحت عنوان “احتجاجات الحسيمة المغربية تعيد قرع الأجراس”، الذي تناول فيه أسباب وتداعيات الاحتجاجات في الريف المغربي، ولم يكن أحدٌ يتوقع أن يكون الإيقاف تحت هذا المبرر السخيف هو الأخير.
وصف الجمري الأمر بأنّه “مفاجأة كاملة”. وقال في تصريحات صحافية إنّه “لم يكن هناك أي إجراءات قانونية أساسًا”. وأوضح أن “عدم وجود أي قناة اتصال مع السلطات ترك الصحيفة غير أكيدة من كيفية استئناف العمل، لافتًا إلى أن النقص في الإجراءات القانونية تركهم في الظلام”.
بقت الوسط في الظلام، حتى أعلن مجلس الإدارة تسريح موظفيها بعد ثلاثة أسابيع على وقفها. وأبلغت إدارة الصحيفة موظفيها بالقرار في رسالة الكترونية وجهتها عشية عيد الفطر. وكتب رئيس مجلس إدارة شركة دار الوسط للنشر والتوزيع عادل المسقطي في الرسالة “يؤسفنا إبلاغكم بأن مجلس إدارة الشركة قرر إنهاء عقود العمل مع الموظفين، وذلك نظرا لتوقف نشاط صحيفة الوسط، بحسب قرار وزارة شؤون الإعلام الصادر بتاريخ 4 حزيران/يونيو 2017، وما نتج عنه من خسائر للشركة”.
في كلمة له بمناسبة اليوم العالمي للصحافة قال عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة (2 مايو/ أيار 2013) “سجلنا الإعلامي والحقوقي يشهد إنه لم ولن يتعرض أي صحفي للسجن أو مؤسسة صحفية للإغلاق بسبب ممارسة الحق الدستوري والقانوني في التعبير عن الرأي”.
إذا كان ملك البحرين حينها قد تجاهل مقتل أحد مساهمي صحيفة الوسط الناشر كريم فخراوي تحت التعذيب (12 أبريل/ نيسان 2011) واعتقال ومحاكمة العديد من الصحافيين، فلعله بإمكانه بعد 4 يونيو/ حزيران 2017 أن يدّعي أيضا بأن عصره لم يشهد إغلاق صحيفة الوسط!