الصحافة في عمان: قوانين تكرّس التضييق على الحريات

 _MG_3835

نبهان الحنشي – كاتب وناشط حقوقي

تمثل حرية الصحافة وحرية العمل الصحفي  إحدى الركائز الأساسية لحرية التعبير، التي تضمنتها المادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948م. الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان السياسية والمدنية التي اعتمدتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام 1996، تضمنت أيضا في مادتها التاسعة عددا من البنود التي كرّست مبادئ حرية الرأي والتعبير والإعلام، وهي إن لم تكن قد ساهمت بصورة مباشرة في تطوّر العمل الصحفي بالنّظرإلى طريقة تناول الأحداث في مختلف المجالات، إلا أنها بالتأكيد ساهمت في وجود قاعدة أساسية لحماية حرية الرأي والتعبير والإعلام، والتي بدورها أتاحت للصحافة مجالا واسعا تتحرّك من خلاله.

ولكن الوطن العربي، الذي أصبح مثالا على “تردّي حرية الصحافة” يعيش حالة يمكن وصفها بالصحافة المعلّبة، أو الصحافة ذات الخطوط المحدّدة، خطوط عادة ما تضعها وترسمها السلطة. لذلك ليس بالغريب أن تحتل الدول العربية والخليجية خاصة مراتب متأخّرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”.

وإن كانت الكويت واحدة من الدّول التي حققت مراكز متقدمة، ليس على صعيد الدول الخليجية فحسب بل والعربية أيضا، فإنّ دخول الإتفاقية الأمنية الخليجية حيز التطبيق ساهم في تراجع تصنيف الكويت، حتى وإن كان برلمان الكويت يرفض تطبيق الإتفاقية الأمنية، لكنّ سلسلة الاعتقالات ضد الناشطين والصحفيين أثبتت أن الكويت لا تختلف عن نظيراتها من دول الخليج العربي.

منذ العام 2011، وبعد أن بدأت العمليات الإحتجاجية في عدد من البلدان العربية، واجهت الصحافة العربية والخليجية تحديّا جديدا، تمثّل في مدى قدرة الصّحافة على مواكبة الأحداث ونقلها للصورة الصحيحة وليس للصورة التي تريد السلطة لها أن تظهر.

عُمان، التي تحتل في تصنيف الصحافة لــمراسلين بلا حدود، عام 2015  المرتبة 127-من بين 180 دولة-، لم تكن بمنأى عن كلّ ما يحدث حولها، فقد شهد عام 2011 احتجاجات واسعة في أكبر المدن، مثل العاصمة مسقط، وصحار وصلالة وصور. إلا أن الحراك الإحتجاجي على أرض الواقع لم يكن هو ما ينقله الإعلام أو الصحافة. ورغم أن سقف حرية العمل الصحفي المحدود معروفة للجميع قبل أحداث 2011، إلا أن هذه الأحداث أعطت تأكيدا على وجود خلل في العمل الصحفي وضرورة إيجاد البديل عن الإعلان الرسمي، أو حتى الخاص الذي تتحكم بسياسة تحريره أجهزة الدولة الأمنية.

في عددها الصادر في 18 يناير 2015، نشرت جريدة الزمن العمانية تحقيقا حول حرية الصحافة في عمان، صرّح من خلاله عوض باقوير، رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين –جمعية حكومية أنشأت في نوفمبر 2004- أنّ: تقرير منظمة مراسلين بلا حدود وتصنيفها للسلطنه لايتمتع باي معايير مهنية. وإذا ما اعتبرنا أن جمعية الصحفيين، هي مؤسسة حكومية مكملة لبقية المؤسسات الإعلامية، لن نستغرب خروج تصريح مثل هذا من هذه المؤسسة، خاصة إذا ما أشرنا إلى تصريحات أخرى لــ “باقوير” اتهم فيه حتى المنظمات الحقوقية بابتزاز دول الخليج، وذلك في مقال له باسم: المنظمات الحقوقية وأجندتها الخفيّة. مع العلم، أن المقال إيّاه نشره “باقوير” على إثر قضيتي الرأي الشهيرتين في عمان “الإعابة والتجمهر” والتي تمّ فيها اعتقال العديد من الناشطين والكتّاب عام 2012.

لكنّ التأكيد على “غياب” حرية الصحافة في عمان، لم تكن منظمة “مراسلين بلا حدود” وحدها من أكدته، بل كذلك منظمة “فريدوم هاوس (بيت الحرية)”، التي أعطت عمان حسب تصنيف 2015 لحرية الصحافة، 71 نقطة، ووصفت الصحافة في عمان على أنها غير حرّة. وهو التصنيف الذي ثبتت عليه عمان في آخر 9 سنوات في خارطة التصنيفات لمنظمة فريدوم هاوس.

صحيفة الزمن:

لعل وجود صحيفة “الزمن” في الميدان، أعطى نكهة مغايرة للعمل الصحفي، وكسر الروتين المتعارف عليه للصحافة في عمان، فمنذ نشأتها في أغسطس 2007، قدّمت “الزمن” العديد من المواضيع التي اتسم بعضها بحيز من الجرأة في الطرح، خاصة المواضيع التي تطرقت إلى “فساد” بعض المؤسسات الحكومية، إلا أن العاملين بالصحيفة لم يسلموا من البلاغات الكيدية وحتى المحاكمات، مثلما حدث مع “يوسف الحاج” رئيس تحرير الصحيفة الحالي، في عام 2011 على إثر قضية متعلقة بفساد إداري في وزارة العدل، وكذلك الصحفيين زاهر العبري وخالد الزيدي، الذين تم استدعاءهما لمقر الإدعاء العام في محافظة مسقط، والتحقيق معهما وسحب بطاقاتهما الشخصية مؤقتا.

الصحافة الإلكترونية:

ساعدت موجة انتشار “المدوّنات” الإلكترونية على تغيّر نمط النشر والكتابة، حيث استطاع العديد من المدوّنين الذين افتتحوا لأنفسهم مدوّنات خاصة نشر أفكارهم وآرائهم بحرية دون تدخل مقصّ الرقيب. لكن الأمر لم يكن بالسّهولة المتوقّعة، فقد تعرّض العديد من المدونين للاستدعاء والتحقيق معهم، كما تعرّض بعضهم للإعتقال وصدور أحكام قضائية في شأنهم. ولعل أحداث 2011 ساهمت في بروز مشكلة التدوين كأكبر تحدّي واجهته السلطات الأمنية، التي تعاملت معه بشراسة غير معهودة، عبر الإعتقال وتلفيق التهم، واستغلال المؤسسة القضائية لإصدار أحكام بالسجن لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن 3 سنوات في كل قضية على حدة.

تطوّر النشر الإلكتروني لاحقا، وساهم في وجود صحف إلكترونية عديدة، أبرزها صحيفة “البلد”، التي قدمت شكلا جديدا للعمل الصحفي عبر الأدوات المستخدمة وكذلك المضمون، ولكنها لم تقدم جديدا على مستوى الجرأة في الطرح، ما عدا متابعتها لبعض قضايا حرية التعبير والرأي ونشرها عبر موقعها. ولكن دخول صحيفة “مواطن” الإلكترونية ساهم في تنوع الطّرح الصحفي، وكذلك في تناول قضايا الرأي والتعبير بجرأة غير معهودة، الأمر الذي تسبب في استدعاء رئيس تحريرها “محمد الفزاري” مرّات عدة قبل أن يتم سحب جوازسفره لاحقا، كما تمّ استدعاء العديد من محرري الصحيفة والعاملين بها، قبل أن تعلن الصحيفة لاحقا في شهر يناير المنصرم، عن توقفها عن النشر لضمان سلامة كتّابها والعاملين بها.

القوانين:

أكثر ما يتهدد حرية التعبير والرأي، ليس غيابها أو محدوديتها فقط، بل وجود قوانين هدفها الإنتقام من أي ناشط أو كاتب أو صحفي يعمل على انتقاد المؤسسة الرّسمية أو نشر أيّة أخبار لا ترغب المؤسسة الرسميّة في ظهورها. وكان عدد من الناشطين والكتّاب حذّروا من تداعيات المادة 26 من قانون النشر والمطبوعات، والتي تم تعديلها بعد موجة الإحتجاجات في 2011، لتصبح كالتالي:

حظر نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي والخارجي وكل ما يتعلق بالأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمتها ولوائحها الداخلية وأية وثائق أو معلومات أو أخبار أو اتصالات رسمية سرّية سواء أكان النشر من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال استخدام شبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات إلا بإذن من السلطات المختصة في البلاد.

واعتبر الناشطون أن هذا القانون ما هو إلا وسيلة لتقييد حرية العمل الصحفي والنشر خاصة وأن مفردات مثل “سلامة الدولة” أو “أمن الدولة الدّاخلي والخارجي”، من السهل توظيفها ضد أيّ مقال أو تقرير أو حتى رأي، ينتقد سياسة الدّولة الداخلية أو الخارجية، خاصة إذا كان هذا المقال أو التقرير يتضمن إثباتات معيّنة ضدّ أي مؤسسة رسمية في البلاد.

في عام 2012، حدثت موجة اعتقالات شملت أكثر من 30 ناشطا وناشطة، منهم كتّاب وحقوقيين ومدوّنيين، وحتى ناشطي مواقع تواصل اجتماعي، وكانت الإدانات ضدّهم تتعلّق بمقالات أو آراء أو تقارير، تمّ نشرها جميعا عبر الانترنت، فيما اشتهر لاحقا بقضيتي الرأي “الإعابة والتجمهر”.

الخلاصة:

حرية العمل الصحفي، ليست مجرد عناوين برّاقة مثلما يعتقد البعض، بل هي الغوص في تفاصيل الأشياء وتقديمها للقارئ بشفافية كاملة، وتكمن الحرية هنا في ضمان سلامة الصحفي وحتى المدوّن أو الناشط الإلكتروني، من أيّ ملاحقات أمنية قد تهدّد مستقبله أو تقوده إلى السجن. ولكن للأسف، ما تشهده عمان اليوم، هو تزايد الاستدعاءات للتحقيق مع العديد من المواطنين وقد تتحول بعض القضايا للمحاكمة، كما أن إغلاق الصحف الإلكترونية مثلما حدث مع مجلة مواطن، كان نتيجة ضغوط أمنية شديدة على محرريها بسبب نوعية المواضيع المطروحة في المجلة. وهو ما يؤكد يقينا على غياب حرية الصّحافة بمعناها العملي في عمان.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى