البحرين: إعلام الدولة يمتهن (الكراهية) وتكرار الخطابات يشي بـ (المنهجية)

hate-speech-is-not-free-speech_thumb

رابطة الصحافة البحرينية – لندن – 22 ديسمبر 2014: حددت مبادئ كامدن (2009) حول حرية التعبير والمساواة المعايير التي تشتمل عليها كل دعوة للكراهية في أي مؤتلفٍ اجتماعي. ومع اختزال هذه المعايير وتقديم صورة عامة لمفاهيم الكراهية والدعوة اليها والتحريض عليها، فإن خطاب الكراهية يتمثل في كل تعبير عن مشاعر قوية وغير عقلانية من الازدراء، او العداوة، أو البغض اتجاه مجموعة من الناس، وبما يؤدي الى خطر وشيك لوقوع التمييز، أو العدائية، أو العنف ضد أشخاص ينتمون لهذه المجموعة.

واستنادا الى هذه الصيغة، تعتبر دعوات الكراهية قنابل موقوتة، تهدد أمن المجتمعات التي تنمو في كنفها، خصوصاً وأن خطابات الكراهية تقوم على قاعدة تأسيسية متطرفة بين ثنائية “الوجود” و”العدم”، بل وبما يصل إلى إعتبار وجود (الآخر) تهديداً مباشراً لا يمكن السكوت عنه، فضلاً عن محاولة التعايش معه. والأدهى من كل ما ذكر، هو أن تكون سلطة سياسية ما جزءا من منظومة الكراهية أو مصدراً لها. وهنا تبدو البحرين نموذجا معاشاً على أكثر من صعيد.

في 23 نوفمبر العام 2011 أطلق محمود شريف بسيوني رئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق تقرير لجنته حول الإنتهاكات التي تخللتها أحداث فبراير ومارس من العام ذاته. التقرير أشار صراحة وبوضوح إلى وجود خطاب اعلامي رسمي محموم بالكراهية، حيث أوصت الفقرة 1724 من التقرير إلى السلطة “اتخاذ الإجراءات اللازمة لتبني خطاب وطني، وعدم إشعار مكونات الوطن بأنها خارج الإطار الوطني”.

ويضيف التقرير في (فقرة 1640) فيقول بأن: “وسائل الإعلام البحرينية كانت منحازة الى حكومة البحرين. فست من الصحف اليومية السبع تعدّ صحفاً موالية للحكومة؛ كما تسيطر الدولة على خدمة البث الإعلامي. فاستمرار التقاعس في إعطاء جماعة المعارضة مجالاً كافياً في وسائل الإعلام الوطنية ينذر بمزيد من مخاطر الإنقسام السياسي والطائفي في البحرين. وعدم السماح باستخدام وسائل الإعلام الرئيسية في البلاد يخلق شيئاً من الإحباط داخل جماعات المعارضة، ويسفر عن لجوء هذه الجماعات الى وسائل الإعلام الأخرى، مثل وسائل الإعلام الاجتماعية. وقد يكون لهذا الأمر أثرٌ مزعزع للإستقرار، حيث أن وسائل الإعلام الإجتماعية تفتقر الى كل من الدقّة والمساءلة، حتى في الحالات القصوى حينما تنشر خطاباً مفعماً بالكراهية أو تحريضاً على العنف”. كما وأوصى التقرير في (الفقرة 1641) الحكومة بأن “تتبنّى نهجاً أكثر مرونة في ممارستها للرقابة؛ وأن تسمح للمعارضة بمجال أوسع في البث التلفزيوني والإذاعي، ووسائل الإعلام المطبوعة”.

وبعد مرور 4 أعوام على صدور توصيات ما عرف بتقرير لجنة بسيوني، إلا أن هذا الخطاب الوطني لم يجد له مكانا بعد في البحرين، فالخطاب الطائفي كان ولا يزال اللاعب الأساسي على المسرح السياسي في البلاد، ما تسبب ويتسبب في نمو واستفحال الشرخ الإجتماعي بين المكون الإجتماعي العريض للمعارضة (الطائفة الشيعية) والسلطة أولاً، وبين مكونات المجتمع البحريني جمعاء ثانياً.

وبالعودة إلى التقارير الصادرة عن المنظمات والهيئات المحلية والإقليمية التي عملت على مراقبة الفضاء الإعلامي، نجد أن خطاب الكراهية قد شق طريقه الى الفضاء الاعلامي في البحرين برعاية الدولة، وتحت اشرافها، إذ تحكم الدولة قبضتها على مختلف وسائل الإعلام في البلاد، وذلك من خلال ما يوفره قانون رقم 47 لعام 2002 لتنظيم الصحافة والطباعة والنشر من غطاء قانوني أولاً، ومن خلال سيطرتها على الرأسمال الإعلاني في البلاد من جهة أخرى، وبما يشمل القطاع الخاص أيضاً.

كما أن بث الخطابات المشحونة بالكراهية والتحريض يتصف بنسق متكرر ومتزامن في اتجاه شريحة معينة من المجتمع وفق تقسيم سياسي طائفي، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن (منهجية) قارة وفاعلة تحكم إعلام الكراهية في البحرين سياسياً، وإدارياً، وفي أدق التفاصيل أيضاً.

ويعتبر برنامج الراصد الذي بثه تلفزيون البحرين الرسمي خلال فترة السلامة الوطنية العام 2011 النموذج الأشهر لمنهجية خطاب الكراهية في البحرين، وتبني الدولة لها. حيث اتسم قالب البرنامج بلغة تحريضية، وعمد معدو البرنامج الى تتبع المشاركين في الاحتجاجات الشعبية العام 2011 من مختلف الشرائح المجتمعية وعرض أسماء وصور البعض منهم، وغالباً ما كانت حلقات البرنامج تنتهي بسلسلة من الإعتقالات والملاحقات القضائية  لمن وردت أسماؤهم فيه.

ورغم ايقاف البرنامج ومحاولة تلفزيون البحرين تصحيح بعض مساراته خلال العامين الماضيين، إلا أن تلك الإرادة لا تبدو حقيقية خصوصاً وأن تلفزيون البحرين لا يزال يقدم خدماته لذات الفريق الذي يشرف على إنتاج برامج مشابهة لهذا البرنامج من خلال قناة خاصة، رغم أن لا قانون في البحرين يسمح بإنشاء قنوات تلفزية خاصة. كما أن تلفزيون البحرين لا يزال يقدم على شاشته العديد من البرامج التي تتضمن اهانات وتحريضاً مباشراً تجاه المعارضة والمكون الإجتماعي الرئيس لها (الطائفة الشيعية)، وخلال هذا العام 2014، فقد بثت شاشة تلفزيون البحرين العديد من المواد التلفزيونية التحريضية، خصوصاً في معالجاته لملفي الحوار الوطني والإنتخابات النيابية التي شهدتها البلاد أواخر نوفمبر الماضي.

الواقع الاعلامي المشوب بخطابات تعزز الكراهية والتنافر بين شرائح المجتمع البحريني. يؤكد من جديد الحاجة اليوم أكثر من ذي قبل إلى سن قانون يجرم التمييز وبما يشمل خطابات الكراهية والتحريض، ووجوب إيقاف العمل بقانون رقم 47 لعام 2002 لتنظيم الصحافة والطباعة والنشر الذي تستند عليه السلطات الحكومية في احتكارها للفضاءات الإعلامية في البلاد، بالإضافة الى ضمان التطبيق الأمين لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة بسيوني)، بما يؤدي الى تشكيل هيئة منتخبة وظيفتها تنظيم قطاع الإعلام، واعادة هيكلته، وتمكينه من القيام بدوره في دفع العملية الديمقراطية، والإرتقاء بها، دون الإرتهان لإملاءات اي جهة كانت، السلطات الحكومية او المعارضة، على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى