الصحافيون في البحرين: صحافيون بمقاسات السلطة

رابطة الصحافة البحرينية: الخميس/ 6 نوفمبر 2014: عملت الحكومة البحرينية منذ مطلع الألفية الجديدة ومع انتشار الإنترنت على التضييق على المواطنين الذين يمارسون حقهم في التعبير عن الرأي. أولى هذه المحاولات كانت اعتقال القائمين على ملتقى البحرين “بحرين أونلاين” العام 2005، وبعد احتجاز دام أسبوعين، أخلت السلطات سبيل المعتقلين (علي عبدالإمام، حسين يوسف، سيد محمد الموسوي) إثر ضغوط داخلية وخارجية.

لم يتنبه أحد إلى أن السلطة ومنذ العام 2005 كانت تحاول استعادة احتكارها لوسائل الإعلام، وكأن ذلك المناخ المحدود من الإنفتاح الإعلامي العام 2001 كان خطأً غير مقصود!

ومع انتشار حركة التدوين عربياً، لعبت المدونات دوراً مشابهاً لما تلعبه الصحافة المحترفة من نقد لمكامن الخلل في الحكومات. عبر صناعة الرأي العام، ومناقشة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وأسبغت عديد الدراسات الأكاديمية والمنظمات الدولية على المدونين صفة الصحفيين، حيث باتت المنظمات المعنية بالصحافة وحرية التعبير تتعامل مع المدوّنيين كصحافيين.

مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي صارت شريحة أوسع من المواطنين والنشطاء تمارس أنماطاً متنوعة من العمل الصحافي، تبع ذلك نشوء مفهوم “صحافة المواطن”، المواطن الذي بات من يقوم بتحرير الخبر، وفق هامش الحرية الذي يريد، ودون الإلتزام بسياسات التحرير التي كانت تفرضها المؤسسات الصحافية تبعاً لهيمنة السلطة أولا، أو ما تشترطه الإعلانات التجارية من محددات وسقوف ثانياً.

لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في إشعال الثورة في تونس، ثم مصر والبحرين واليمن وسوريا وليبيا. ولم تستطع الصحافة التقليدية مواكبة الحدث إلا باستخدام الوسائل ذاتها (يوتيوب، فيسبوك، تويتر) التي حرّكت الساحات من قبل مواطنين عاديين.

في البحرين وبعد شهر من الاحتجاجات، أقدمت السلطات على سحق المحتجين في دوار اللؤلؤة في العاصمة “المنامة” بمساعدة قوات سعودية وإماراتية، وتحت غطاء خليجي وتعتيم إعلامي، ووصلت الأمور إلى إغلاق المنفذ الإعلامي الرسمي الوحيد المقرّب من المعارضة (صحيفة الوسط) في2  إبريل /نيسان 2011.

هؤلاء: ليسو صحافيين

ومع دخول البلاد في أتون قانون الطوارئ (السلامة الوطنية) 16 مارس/آذار 2011 بدأت مرحلة القمع تتزايد في اتجاه كل رأي يختلف مع إعلام السلطة وتفسيره لما تشهده البلاد من حوادث. أقدم المئات من المعارضين إلى إلغاء حساباتهم في مواقع التواصل الإجتماعي، أو حذف تدوينات قصيرة كانت تدعم الاحتجاجات، وكثيرون من تحولوا للكتابة عبر الأسماء المستعارة.

مسلسل استهداف المدونين والناشطين الإلكترونيين لم يتوقف لحظة، وعلى إثره تم اعتقال المدوّن زكريا العشيري وتعذيبه وصولاً إلى قتله. واعتقل الناشر عبدالكريم فخراوي حيث تعرض للتعذيب الذي أدى لقتله لاحقاً. كما واعتقل المدوّن احمد الديري “مدير منتديات الدير”، وسجن معه اثنين من أبناءه (علي وحمزة).

السلطات أنكرت صفة “الصحفي” عن الضحايا والمعتقلين، واستمرت في استهدافها للنشطاء. واعتقلت المدون البارز محمود اليوسف لعدّة أيام وأطلقت سراحه لاحقاً، وواصلت السلطات هجمتها حيث اعتقلت المدوّن محمد المسقطي لأسبوعين وأطلق سراحه لاحقاً، كما داهمت منزل المدوّن البارز علي عبدالإمام مؤسس ملتقى البحرين “بحرين أونلاين” الذي ظلّ متوارياً عن الأنظار، واعتقل المدوّن عبدالجليل السنكيس أيضاً.

الصورة: مستهدفة

ملاحقات السلطات البحرينية لم تقتصر على النشطاء في وسائل التواصل الإجتماعي، بل توسعت لاحقاً لتصل إلى المصورين الذين رفضت اعتبارهم صحفيين ما لم يكونوا مسجلين وبصفة رسمية في جمعية الصحفيين البحرينية (BJA)، وهي مؤسسة تحكم الدولة السيطرة عليها وتزعم أنها الممثل الوحيد للصحفيين،  ورغم ذلك، فلقد طالت الإعتقالات وحملات الإستهداف عديد الصحافيين والمصورين من مصوري الوكالات العالمية والصحف المحلية، وممن هم أعضاء مسجلون في الجمعية آنفة الذكر.

في13  مارس/آذار 2011 اعتدي على مصور صحيفة الوسط محمد المخرق بالضرب، وفي15  مارس اعتقل المصوّر محمود عبدالصاحب وحكم عليه بالسجن5  سنوات، وفي23 مارس اعتقل المصور حسن معتوق وحكم عليه بالسجن 3 سنوات، وفي 1 مايو اعتقل مصور جمعية الوفاق جميل الشويخ من منزله واحتجز لمدة شهرين، وفي11  مايو اعتقل مصور وكالة الأنباء الفرنسية محمد الشيخ وتعرّض للتعذيب وعرض على محكمة عسكرية وأطلق سراحه بعد 3 شهور.

وفي11 مايو تم استدعاء مصور صحيفة الوطن عبدالله حسن حيث تم التحقيق معه وتعرض للضرب والتهديد وتم فصله من عمله، وفي15  مايو 2011 اعتقل المصورين المستقلين علي عبدالكريم الكوفي وحسين النشيط وسعيد عبدالله ضاحي لفترة قصيرة تعرضوا خلالها للضرب والإهانة، وفي23  مايو استدعي مصور وكالة الأنباء الألمانية مازن مهدي للتحقيق وتعرض للتعذيب وأفرج عنه، وفي24  مايو اعتقل المصور صادق المرزوق وأفرج عنه لاحقاً.

في31  مارس/آذار2012  استهدف المصور المستقل أحمد اسماعيل أثناء تغطيته لاحتجاجات في منطقة سلماباد بطلق ناري أرداه قتيلاً، العائلة أكدت أن السلاح المستخدم في عملية الإغتيال من صنع فرنسي موجه بالليزر. ولا تزال قضية اسماعيل في أروقة النيابة دون التوصل إلى القاتل.

في29  ديسمبر/كانون الأول تعرض المصور أحمد حميدان إلى الإختطاف ووجهت له لاحقاً تهمة مهاجمة مركز شرطة، وحكمت المحكمة عليه بالسجن 10 سنوات، وحميدان مثال صارخ لحنق الدولة من أولئك المصورين. فهو صحافي حائز على 143  جائزة عالمية، لكن السلطات تنفي عنه صفة الصحافي، حيث أنها بعثت برسالة إلى هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي BBC في31  أغسطس/آب 2014  هددت فيها  بمقاضاتها إن لم تنشر توضيحاً تقول فيه أن حميدان ليس صحفياً، متهمةً إياها بالانتقائية وعدم الحياد والموضوعية، وكانت بي بي سي قد أوردت خبراً بتأييد الحكم بالسجن 10 سنوات على “المصور الصحفي” أحمد حميدان.

2013/ 2014: إن شيئاً لم يتغير

وفي1  أغسطس/آب 2013 اعتقل المصور حسين حبيل ووجهت السلطات له تهمة الإنضمام لجماعة “تمرد البحرين” وحكم عليه بالسجن  5سنوات بتهمة الترويج لتغيير النظام السياسي. وتعرض حبيل وزميلاه في القضية المدوّن جاسم النعيمي والممثل صادق الشعباني للتعذيب بحسب ما اورداه في المحكمة من أقوال، كما مُنع حبيل من العلاج حيث يعاني من مشكلة في القلب تستدعي رعاية طبية دائمة.

وزارة الداخلية البحرينية حاولت نفي صفة “الصحافي” عن حبيل، إلا أن ذلك لم يمنع منظمات دولية عدة ومنها منظمة العفو الدولية من التنديد بإعتقاله ومحاكمته.

وفي2  أغسطس اعتقل المصور قاسم زين الدين، كما اعتقلت السلطات المصور أحمد الفردان الذي يعمل مع وكالة “demotix” ووكالة “nurphoto” حيث تم اختطافه في 8  أغسطس وتعرض للضرب والتهديد قبل إطلاق سراحه، ولم تتوقف حملة استهداف الفردان الحاصل على 105  جائزة دولية في التصوير، حيث تم اختطافه في 26  ديسمبر/كانون الثاني  2013  وتعرض خلال الاحتجاز للضرب والمعاملة القاسية.

المصور المستقل عبدالله الجردابي تعرض للاعتقال أيضاً في13  سبتمبر ولا يزال قيد الاعتقال.

المصور أحمد الموسوي الذي حصدت صوره 127 جائزة دولية وأكثر من50  شهادة في مجال التصوير ويملك عضويات في جهات وجمعيات واتحادات عديدة  للمصورين والإعلاميين، اعتقل في10  فبراير/شباط 2014  ولم يتم توجيه أي اتهام رسمي له، إذ أمضى أكثر من 8 شهور في الحبس الاحتياطي، وقد صودرت أثناء اعتقاله أجهزة إلكترونية وكاميرات يستعملها في عمله الصحفي.

المدونون: في دائرة الضوء

لم تنحصر انتهاكات السلطات على المصورين الصحفيين فقط، بل شملت المدوّنين والنشطاء على الإنترنت. في21  إبريل/نيسان 2012  اعتقل المدوّن محمد حسن صديف إثر ظهوره في البرنامج الوثائقي الأمريكي “دان راذر” كما أصيب بالرصاص الإنشطاري الذي أطلقته قوات الأمن في منطقة البلاد القديم وهو برفقة مراسلين أجانب، وتعرض لاعتداء جسدي خلال اعتقاله، وأفرج عنه لاحقاً بعد ضغوط.

في 16 مايو من العام ذاته اعتقل الصحفي أحمد رضي على خلفية تصريحات في وسائل الإعلام منها “بي بي سي” حول الاتحاد الخليجي، وقد تعرض أثناء الاعتقال للتعذيب حسبما أفاد، ورضي عمل سابقاً كصحفي في صحيفة الأيام وكمراسل لقناة المنار اللبنانية لمدة سنتين، ورفضت وزارة الإعلام آنذاك إعطائه تصريح للعمل داخل البحرين، ومنذ مطلع الألفينات يمارس رضي دوره الصحفي من خلال مدونة خاصة وتصريحات لوسائل إعلام مختلفة، كما اعتقل رضي لاحقاً في 25  سبتمبر/أيلول 2014  وأفرج عنه بعد 4 أيام، وأكد تعرضه لتعذيب نفسي حيث تمت تعريته وتهديده بالاغتصاب.

في9  يوليو/تموز 2012  حكم القضاء على رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب بالسجن3 شهور بتهمة “إهانة” رئيس الوزراء عبر حسابه في “تويتر”، ولاحقاً تم محاكمته وقد قضى مدة سنتين في السجن، وبعد خروجه من السجن في مايو/أيار 2014  توجه إلى أوروبا، وعند عودته تم تسليمه احضارية للمثول للتحقيق في شعبة الجرائم الإلكترونية، وتم اتهامه بإهانة “قوة دفاع البحرين” و “وزارة الداخلية” عبر تويتر، بعد انتقادات وجهها للسلطة، وقد اعتقل رجب منذ 1  أكتوبر/تشرين الأول الحالي بانتظار محاكمته.

في 4  سبتمر/أيلول 2012  أيدت محكمة الاستئناف حكماً بالسجن المؤبد للمدوّن عبدالجليل السنكيس والسجن 15 عاماً للمدوّن علي عبدالإمام الذي حصل على اللجوء السياسي مؤخراً في بريطانيا.

في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2012  أعلنت السلطات احتجاز4  مدوّنين بتهمة “إهانة” الملك في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وقررت حبسهم أسبوعاً على ذمة التحقيق.

في 5  نوفمبر/تشرين الثاني  قضت المحكمة الجنائية بسجن بحريني شهرين وآخر أربعة أشهر بتهمة إهانة الملك على “تويتر”. في 5 ديسمبر/كانون الأولمن العام ذاته ثبتت محكمة الاستئناف حكماً بالسجن6  أشهر بحق مدوّن على “تويتر” بتهمة إهانة الملك.

في 17  ديسمبر/كانون الأول 2012 اعتقل مسؤول الرصد في مركز البحرين لحقوق الإنسان سيد يوسف المحافظة بسبب تغريدات نشرها على “تويتر” وأفرج عنه لاحقاً.

وقالت رابطة الصحافة البحرينية في بيان لها إن السلطات أقدمت في 11 مارس /آذار 2013 على اعتقال 6  نشطاء إلكترونيين على خلفية التعبير عن الرأي على موقع “تويتر” وقد أكد رئيس النيابة الكلية نايف يوسف في بيان صحفي في اليوم التالي إنه تقرر حبس المعتقلين لإحالتهم للمحاكمة بتهمة “المساس بالذات الملكية”.

وفي 3 إبريل/نيسان 2014  أيدت محكمة الاستئناف حكماً بالسجن عاماً كاملاً على استشاري جراحة العيون الدكتور سعيد السماهيجي بتهمة “إهانة الملك”، وقالت رابطة الصحافة البحرينية في بيان لها إن الاستدعاءات والمحاكمات القضائية بتهمة “إهانة الملك” استهدفت 38  شخصاً مبديةً تخوفها من تعديل المادة 214  من قانون العقوبات حيث يواجه فيها المتهم بإهانة الملك حكماً بالسجن لا يقل عن عام ويصل إلى سبعة أعوام.

تبرير الإنتهاكات: الصحافي هو من تسميه الدولة “صحافياً”

في بيان لها بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول 2014  عبّرت هيئة شؤون الإعلام عن رفضها لما ورد في تقرير منظمة “مراسلون بلاحدود” الذي صدر بتاريخ 21  أغسطس/آب 2014، وقالت في إحدى فقرات بيانها الذي اتهمت فيه المنظمة بالمغالطة وازدواجية المعايير “إن الأسماء المذكورة في تقرير “مراسلون بلا حدود” لا تمثّل شخصيات صحفية أو إعلامية، ولا توجد في سجل موظفي أي مؤسسة صحفية أو إعلامية في البحرين، أو في سجل منتسبي جمعية الصحفيين البحرينية”.

السلطات الأمنية في البحرين مستمرة في خيار تبرير اعتقالاتها ومحاكماتها للصحافيين من خلالة آلية عدم الاعتراف بمن تعتقلهم كصحافيين. قبالة ذلك تدرك عديد المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن الصحافيين وحرية الرأي والتعبير أن السلطات البحرينية تحتكر هذا الإعتراف، بل وتبتز الصحافيين من خلال حصر هذه التسمية بالصحافيين الذين يلتزمون بخطابها وتفسيراتها للأحداث السياسية في البلاد.

يمارس الصحافيون والنشطاء الإلكترونيين في البحرين أدوارهم الصحفية دون اكتراث، ويتحمّل كثيرون أثماناً باهضة من أجل ملء صحيفة المواطن بشيء من المصداقية.

يحاول هؤلاء سدّ الفراغ المهني جراء عدم وجود صحافة حقيقية وظيفتها مراقبة السلطة، انتقادها، كشف مواطن الخلل فيها، توثيق الانتهاكات التي تمارسها السلطة بحق المواطنين، ونقل ما يحصل في الشارع على شكل مغاير للرواية الرسمية.

يقاتل الصحافيون والنشطاء الإلكترونيون في البحرين من أجل رفع سقف الحريّة الذي تقاتل السلطة لخفضه، بل لإنهائه من الوجود.

زر الذهاب إلى الأعلى