الإنترنت في البحرين: كل ما هو مخالف لرأي الأسرة الحاكمة، محجوب !
منذ ما قبل العام 2013، تُمعن أنظمة عربية في التعتيم على محتويات الرأي الآخر الذي تعبّر عنه الشرائح المنتقدة للسياسات، حتى ولو كان الأمر منوطاً بمواقع إخبارية أو عوالم إفتراضية على الشبكة العنكبوتية.
إنه القمع الإلكتروني، الذي يبدأ بحجب المواقع والمدونّات، ليتدرّج فيما بعد إلى مستوى التجسس على التغريدات على فايسبوك وتويتر، قبل أن ينتهي الأمر باعتقال المدوّنين والمعبّرين عن آرائهم.
هي إستراتيجية استحدثتها أنظمة عربية عديدة، رؤيتها كانت الحد من التعبير الشعبي المنتقِد للسياسات المعتمدة، وكذا منع الشعب من الإطلاع على المدوّنات المختزِلة لواقع “الرأي الآخر”، وهذا فعلاً ما يجري في البحرين، التي تعتمد قسماً خاصاً تحت مسمى “الجرائم الإلكترونية”، تابعاً لوزارة الداخلية.
المعايير المُدرَجة والمرشِّدة لعمل ذلك القسم، لا تستدعي خبراتٍ تثقيفيةً أو تقنيةً معيّنة، وإنما تكفي لبلورتها حفنة اتهامات: ترويجٌ للعنف، حضّ على الإرهاب، تحريض على النظام، منع انتشار الأفكار المتطرّفة، وغيرها من التهم الجاهزة.
مسلسل الحجب المتواصل والتعتيم على محتوى مواقع إلكترونية عديدة استمرّ في البحرين على امتداد العام 2013، الأمر الذي أكّد حجم خوف السلطات من قوة وسائل الإعلام الإلكتروني، الذي تتراوح أشكاله بين المواقع الإخبارية، البحرينية منها والدولية، وكذا المدوّنات الإلكترونية التي تجد فيها شريجة كبيرة من الشعب متنفّساً سياسياً واجتماعياً في آنٍ معاً.
في الثالث من أغسطس 2013، أصدرت وزارة الدولة البحرينية لشؤون الإتصالات قائمة مكوّنة من سبعين موقعاً ومنتدى، صنّفتها في خانة “المخالِفة”، إلا أنها سرعان ما أضافت على تعبير المخالفة ذلك اتهامات، حيث اعتبرتها بؤراً للتحريض على الإرهاب الطائفي. وفي حين تكتّمت عن هويات ما تقَرَّر حجبه، أعلِن عن أن منتدى “المجلس العُلمائي” واحد منها، إلى جانب موقع قناة المنار اللبنانية والموقع الإعلامي لائتلاف الرابع عشر من فبراير.
سبعون موقعاً أضيفوا على جملة مواقع تم حجبها خلال السنوات الأخيرة، والتي من ضمنها: مرآة البحرين (http://bahrainmirror.com/)، شهداء البحرين وضحايا التعذيب (http://www.shaheedbh.co)، مركز البحرين لحقوق الإنسان (http://www.bchr.net/ar)، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (http://www.anhri.net/) ومقرها القاهرة، عدا المنتديات التي من بينها منتديات فجر البحرين (https://www.fajrbh.com/vb/) وملتقى البحرين (http://www.bahrainonline.org) .
وإذا ما عدنا إلى الآلية التي يتم من خلالها تقييم أيّ موقع كان، نرى أنّ المضمون الإلكتروني هو الأساس، وعند محاولة إسقاط ذلك على الواقع الذي أفضى إلى حجب السلطات البحرينية مواقع إخبارية عن مواطنيها، تتجلّى مجمل الأزمة، ونظرة عن كثب إلى بعض تلك المواقع توضِح الأسباب الحقيقية الكامنة من وراء الحجب:
- الثالث من أغسطس 2013: موقع المنار، وينقسم إلى أبواب متعددة، يدرج في قسمه المخصص للبحرين أخباراً عن نشاطات المعارضين والنشطاء المطالبين بالإصلاحات السياسية، ينتقد النظام الحاكم أحياناً، ويسلّط الضوء على انتهاكاته بحق الشعب أحياناً أخرى، فكان الحل الأمثل لتعتيم الصورة، حجب الموقع.
- موقع المجلس الإسلامي العلمائي، وهو موقع ديني، تأسس الموقع في 21 أكتوبر 2004، مبادئ الموقع وتوجهاته السياسية لم تَرُق السلطة الحاكمة في البحرين، التي عمدت إلى حجبه في أغسطس.
- وفي أغسطس أيضاً، حجب الموقع الإعلامي لإئتلاف الرابع عشر من فبراير، والذي تتلخص مهمّته بنقل مشهد الأحداث المحلية من جهة، أما من جهة أخرى، فتسليط الضوء على العنف المتصاعد الذي تعتمده قوات النظام.
وإلى جانب تلك المواقع المحجوبة والمدرجة ضمن قائمة السبعين، مواقع أخرى شهد عام 2013 استمراراً لاسقاطها عن متناول المتصفّح البحريني، والأهداف من وراء ذلك فمشابهة لما ذكر آنفاً:
موقع مرآة البحرين الإخباري (http://bahrainmirror.com/) ، والذي يعدّ في مصافّ المواقع الإخبارية الأولى في البحرين، هذا الموقع قوبِل بالحجب أيضاً أكثر من مرة ولا يزال حتى اليوم.
مركز البحرين لحقوق الإنسان (http://www.bchr.net/ar) كان له المصير ذاته، ولم يكن يحتاج لمبرر أكثر من عرضه إحصاءات حقوقية لا تصبّ في مصلحة الأسرة الحاكمة. المركز الذي تم تسجيله لدى وزارة العمل البحرينية والخدمات الاجتماعية في يوليو 2002 وصدر قرار من جانب السلطات في نوفمبر 2004 لاغلاقه، أما هدفه فهو تعزيز حقوق الانسان في البحرين.
وهذا ما حصل أيضاً مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (http://www.anhri.net/) والتي تبثّ من القاهرة ويندرج ضمن أهدافها الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في العالم العربي، وكذا الموقع الإلكتروني لمنظّمة هيومن رايتس ووتش (http://www.hrw.org).
جردة المواقع تلك تكشف مفارقة غير مستحبّة: جلّ المواقع المحجوبة في البحرين مرتبطة بالواقع السياسي والإجتماعي، ولا تروّج للإرهاب الذي حاولت السلطات إلصاقه بها، وليست مواقع إباحيّة في المنظور العام كي يتمّ التعتيم عليها خوفاً من خدش الحياء وتفكيك أخلاقيات المجتمع الخليجيّ الناشئ. هي مواقع إخبارية وحسب، أو إحصائية وحسب، أو حتى إجتماعية.
الهدف الواضح من كل ذلك التعتيم والإستهداف الإلكتروني هو تمزيق المعارضة المطالبة بالشفافيّة والإصلاح السياسيّ، إلا أنها غفلت ربّما عن أن الحقائق التي يحاول النظام إخفاءها قد تفلح على مواطنيه، فيما العالم المحيط بالبلد الصغير يبقى في الصورة: يتصفّح المواقع المحجوبة بحرينياً، يلاحظ أدقّ تفاصيلها، ويتولّى إدارة دفّة التعليق، فإما أن ينصر النظام وإما شعبه.
الواقع المحسوس الذي ينقله العالم الإفتراضي بأوجهه المتعددة من تويتر وفايسبوك وإنستغرام ملاحَق أيضاً، والمغرّدون يساقون الواحد تلو الآخر إلى السجون بذنب التعبير عن الرأي، ليصبح المشهد أكثر شفافيّة: الرأي الآخر محجوب، تماماً كما المواقع الإلكترونية، وبنظر الحكومة، فإنّ تلك التصرّفات مدرجة في خانة مكافحة الإرهاب، أما الرابط الذي تراه هي في هذا التوصيف، فيغيب عن منظور المنطق والتبرير الواقعي.
حملات القمع الإلكتروني المتواصلة جعلت من البحرين، التي حلّت في المرتبة العاشرة من بين إحدى عشرة دولة عربية شملها تقرير “فريدوم هاوس” الصادر منذ أشهر والمتعلّق بالحريات الإلكترونية، دولة تستحقّ عن جدارة لقب “اللا حرّة”، تعاني إحباطات سياسية تدفعها إلى استنزاف كل ما تملك من وسائل الترهيب الحقيقي أو حتى الإفتراضي. وفي النهاية، فكل ما هو مخالف لرأي الأسرة الحاكمة، محجوب.