التسامح في البحرين حملة علاقات عامة يكذبها الواقع 

رابطة الصحافة البحرينية، لندن، المملكة المتحدة، الإثنين 25 نوفمبر 2024: تروّج البحرين لنفسها على المستوى العالمي بأنها أرض للتّسامح وبأنها حريصة على ترسيخ قيم التسامح الدّيني والتعايش السلمي بين جميع الأديان والمذاهب. يعزز هذا الزعم اطلاق عديد المؤسسات والمبادرات الوطنية والإقليمية والدولية.

وبمناسبة اليوم العالمي للتسامح الذي يوافق 16 نوفمبر من كل عام، احتفت أغلب مكوّنات الدولة بإنجازاتها في هذا الخصوص وجدّدت تأكيدها على أن التسامح قيمة لطالما اعتبرتها الدولة ركيزة أساسية في سياساتها التي اعتمدتها من أجل تحقيق استقرار المملكة ونمائها.

في السياق ذاته، أكّد رئيس مجلس الشورى في البحرين علي بن صالح الصالح بمناسبة احتفال المملكة بيوم التسامح العالمي، أن البحرين أصبح اليوم “نموذجا متفرّدا ورياديا إقليميا وعالميا، في التمسك بقيم ومبادئ التسامح والتعايش والإخاء الإنساني.

تفخر الحكومة البحرينية بمبادرات عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة وتؤكّد أنها مبادرات تكرّس قيمة التسامح وتعزّزها داخل مختلف مكوّنات المجتمع البحريني ومن أبرزها، إنشاء جائزة الملك حمد للتعايش السلمي ومركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي الذي يعمل على نشر السلام ونبذ الطائفية والكراهية، بالإضافة إلى تدشين كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي جامعة سابينزا الإيطالية الذي يفتح مجالا واسعا أمام الطلبة للبحث العلمي في مجال التسامح وعلوم الأديان.

كما ترتكز الحكومة في البحرين في ترويجها لهذه الصورة النيّرة عن المملكة بأنها تحتوي على أعلى نسبة مساجد وجوامع في العالم بالنّظر إلى عدد السكان والمساحة، بالإضافة إلى وجود ما يزيد عن 19 كنيسة مسيحية وكنيسًا يهوديًا في وسط العاصمة المنامة يعود بناؤه إلى العام 1930، عدا عن العديد من دور العبادة التي تتيح لطوائف أخرى ممارسة عباداتهم بحرية في أجواء من التعايش السلمي بعيدًا عن أي شكل من أشكال التّضييق أو التّطرف.

وراء هذه الصورة الناصعة والمثالية، التي تضجّ بقيم التسامح والإخاء والتعايش السلمي، يختفي واقع مؤلم ومعاناة يعيشها مكوّن أصيل في هذا البلد منذ العام 2011، تاريخ انطلاق الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات سياسية داخل البلاد. ففي أحدث انتهاك للحريات الدينية والتضييق على حرية التعبير، يتعرّض المواطنون من المذهب الشيعي إلى المنع من أداء صلاة الجمعة  في مسجد الإمام الصادق منذ عدة أسابيع في منطقة “الدراز” بسبب موقفهم المناهض للحرب على غزة ولبنان، كما وتم اعتقال خطيب الجمعة الشيخ علي الصددي للسبب ذاته. وللإشارة فقد سبق للسلطات البحرينية أن منعت صلاة الجمعة في هذا المسجد لمدّة 6 سنوات في إطار حملاتها في التضييق ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب هذا المذهب.

وفي وقت سابق من هذا العام، فرضت السلطات الأمنية قيودا خلال موسم عاشوراء تمثّلت في منع عدد من رجال الدين والخطباء من إحياء هذه المناسبة ووصل الأمر إلى حدّ اعتقال البعض منهم للسبب ذاته. وبالتوازي مع ذلك صدرت أوامر بمنع السفر على كل من الرادود أحمد العطيش ومهدي سهوان أثناء توجههم لإحياء هذه الشعيرة خارج البحرين، كما قامت السلطات البحرينية بإزالة مظاهر إحياء موسم عاشوراء في عدد من المناطق إمعانا في التضييق على الحرية الدينية داخل القرى الشيعية، وهو ما يتعارض مع المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تكفل لكل شخص الحرية في “إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”.

 وفي الإطار ذاته، تشهد البلاد حملة من الاعتقالات والاستدعاءات وإجراءات التهديد والتخويف، استهدفت مجموعة من النشطاء والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى عدد من رجال الدين والمصورين ممن عبروا عن رأيهم من خلال منشورات على وسائل التواصل الإجتماعي. وتشير المعلومات إلى أنهم تعرّضوا إلى التهديد والترهيب بسبب هذه المنشورات حتى أن البعض منع من السفر كإجراء عقابي ناعم لكلّ من يعبّر عن رأي لا يتماشى مع سياسة الدّولة.

كما استهدفت حملة التضييقات عددًا من الفعاليات الوطنية والحقوقية والسياسية وحتى الاقتصادية، أدّت إلى إلغائها.

من جهة أخرى، وفي رصدها لحالات انتهاك حرية الرأي والتعبير، كانت رابطة الصحافة البحرينية في تقريرها نصف السنوي للعام الجاري، قد وثّقت 12 حالة انتهاك لحرية الرأي والتعبير استهدفت عددا من الكتاب والسياسيين والنشطاء على الإنترنت، خلال النصف الأول من العام الحالي. وتعلّقت أغلب التهم الموجهة إليهم بـ “إهانة وزارة معينة عبر وسائل التواصل الإجتماعي”، ” نشر تغريدات ازدراء بأشخاص موضع تمجيد لدى أهل ملة”، “تحريض على بغض طائفة من الناس على نحو يثير الفتنة والطائفية”، “المساس بنسيج المجتمع البحريني” وأيضا “التحريض علنا على ازدراء طائفة من المجتمع” و”إساءة استعمال مواقع التواصل الإجتماعي”. 

في السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى أن السلطات البحرينية قامت باعتقال المؤرخ جاسم آل عباس في شهر نوفمبر من العام الماضي ووجّهت له تهمة التحريض وتهديد السّلم الأهلي وذلك بسبب مناقشته السياق التاريخي للإسلام والتّشيّع في البحرين. 

وبالتوازي مع التضييق على حرية التعبير والحق في ممارسة الشعائر الدينية، تفاجأ البحرينيون في شهر يونيو الماضي، على إثر إعادة فتح الخط الجوي بين البحرين والعراق بعد أربع سنوات من وقف الطيران المباشر بين البلدين، بأنهم مُطالبون بالحصول على تصريح أمني يمكّنهم من السفر لأداء شعائرهم الدينية. المثير في هذا الموضوع هو أنه لم يتمّ الإعلان عن هذا الإجراء رسميًا وهو ما أدى إلى منع الكثيرين من السفر، فيما يعتبر تقييدًا لحرية التنقل والسفر باعتبارهما حقان مكفولان لكل مواطن بحريني.

ما بين الدعاية السياسية والإعلامية للبحرين بوصفها بلدًا للتسامح والتعايش من جهة، والواقع المعاش من جهة أخرى، تبرز فجوة وازنة وسياسات وإجراءات حكومية انتقامية ومستمرة منذ العام 2011، وهو العام الذي لا تزال الدولة عالقة فيه، وعاجزة عن تجاوزه.

زر الذهاب إلى الأعلى