رابطة الصحافة البحرينية تدعو الحكومة للتحقيق في دور وآليات عمل إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية

تدين رابطة الصحافة البحرينية تزايد القيود الممنهجة على حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي في البحرين خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تتصاعد القيود بشكل ملحوظ من جانب إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية.  

خلال السنوات الماضية، صدرت حزمة من القوانين التي تقيد حرية الرأي والتعبير والتجمع مثل منع التظاهر في العاصمة البحرينية المنامة وقانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية. كذلك أعلنت وزارة الداخلية أنها ستُحاكم الأشخاص الذين يتابعون “الحسابات التي تقوم بالتحريض” أو الذين يعيدون نشر محتوى تلك الحسابات التي اسمتها “المحرضة” على حساباتهم في موقع اكس، كما تم اغلاق صحيفة الوسط (2017) وحل الجمعيات السياسية المُعارضة مثل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (2016) وجمعية العمل الديمقراطي “وعد” (2017) وجمعية العمل الاسلامي “أمل” (2012) وتم اصدار قانون العزل السياسي في العام 2018.

ترصد الرابطة الانتهاكات الممنهجة التي تطال حرية الرأي والتعبير في البلاد، وتلاحظ أنها أصبحت تتخذ شكلاً ناعمًا ومنهجًا مدروسًا يتفادى استفزاز أو إثارة وسائل الإعلام الأجنبية والمنظمات الدولية، إذ تُغلف هذه الانتهاكات بغطاء قانوني بعكس الانتهاكات السابقة التي كانت تقع خارج نطاق القانون، وتعمد أجهزة الدولة إلى استخدام التهديد والابتزاز والضغط النفسي في جلسات التحقيق بدلاً من الحبس لمدد مطولة كما هو الحال في السابق.

أنشأت الادارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني في نوفمبر 2011 بمرسوم ملكي، وتندرج تحت مظلتها عدد من الإدارات الأمنية تهدف لحفظ دعائم الاقتصاد الوطني والسعي الى الحد من جرائم الشبكة العنكبوتية، حسب المرسوم. وتختص الإدارة بمكافحة جميع الجرائم الإلكترونية من سرقة واختراق للبريد الإلكتروني والإساءة والتشهير والسب أو الابتزاز باستخدام وسائل إلكترونية وتعقبها وكشفها، لكن الإدارة اتخذت منحى آخر عن الدور الموكل لها بحسب المرسوم فأصبحت أداة ترهيب وتقييد مباشر لحرية الصحافة والتعبير والتجمع السلمي والتنقل، كما أصبحت رقيبًا على كل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي مقارنة بين الوضع قبل وبعد إنشاء هذه الإدارة، كانت تصرفات الأجهزة الأمنية ترتكز على تناقض صريح مع القانون المحلي والدولي، حيث تقمع التظاهرات الاحتجاجية بالعنف الذي ينتج عنه إصابات عديدة، وتقوم المؤسسات القضائية بحبس المشاركين لفترة تتراوح بين ستة أشهر وحتى خمس سنوات، كانت هذه الأحداث تلقى تغطية إعلامية وإدانة حقوقية من قبل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية. خلال السنوات الخمس الأخيرة، يمكن ملاحظة أن هناك تغييرًا جذريًا في التعامل مع التظاهرات، هذا التغيير لا يعتمد على ضمان الحقوق المدنية والسياسية وحرية الرأي والتعبير بل إلى الاستمرار في مصادرة هذه الحقوق مع عدم إثارة الإعلام والمنظمات الحقوقية.  

تنشط إدارة مكافحة الجرائم الالكترونية في ملاحقة كل من ينتقدون الحكومة أو سياساتها عبر مواقع التواصل عبر استدعائهم فور كتابتهم المنشور والطلب منهم الحضور فورًا الى التحقيقات. يتخلل إجراءات التحقيق تهديدات مباشرة تارة ومبطنة تارة أخرى. ويتم التلويح بأن هناك العديد من القضايا الجاهزة التي تشكلت في النيابة العامة أو أن هناك شكوى من وزير معين ضد هؤلاء النشطاء وأن تفعيل هذه القضايا مرهون بإزالة المحتوى المنشور والتعهد بعدم توحيه أي انتقادات للجهات المعنية مستقبلاً.

في بعض الأحايين، يتم إجبار النشطاء على التعهد بعدم الكتابة في الشأن العام أو الشأن السياسي والحقوقي، ومن خلال هذه الإستراتيجية، يتم تقليص عدد النشطاء الفاعلين على وسائل التواصل الاجتماعي دون ضوضاءوتشمل التهديدات والاجراءات التي يتعرض لها النشطاء والمشاركون في المسيرات الاحتجاجية تلفيق القضايا ضدهم أو فصلهم من أعمالهم أو منعهم من السفر.


خلال الأشهر الماضية تم استدعاء عدد من النشطاء والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ورجال دين ومصورين بسبب منشوراتهم حول أحداث غزة ولبنان، وأفاد عدد منهم عن التعرض في التحقيقات الجنائية إلى التهديد بالحبس ونقلهم إلى النيابة العامة في حال رفضهم إزالة منشوراتهم. وبحسب الشهادات، تمحورت إجراءات التحقيق حول مقاصدهم مما هو مكتوب وتفسير المنشورات وفق قانوني العقوبات والإرهاب. وتعمد السلطات إلى الافراج عن المستجوبين الذين وافقوا على مسح التغريدات والمحتوى وحبس من يتمنعون عن ذلك ومنع بعضهم من السفر، وهو الأمر الذي يستهدف في بعض الأحيان أعمالهم، إذ أصبح المنع من السفر شكلاً من اشكال المعاقبة الناعمة لأصحاب الآراء الناقدة للحكومة.

ولا تقتصر اجراءات التقييد على النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين، بل تشمل أصحاب عدد من المجالس الأهلية “الديوانيات” في عدد من المحافظات، حيث تم الاتصال واستدعاء بعض اصحاب المجالس وطلب منهم التوقيع على تعهدات بسحب بيانات مشتركة حول قضايا محلية وإقليمية، وطلب السلطات من بعض الجمعيات تغيير عنوان بعض الفعاليات مثل نادي العروبة وجمعية التجمع القومي، كذلك عمدت السلطات إلى الغاء فعاليات وطنية وحقوقية واقتصادية وسياسية ومسح كل ما هو متعلق بالفعالية او البيانات من مواقع التواصل الاجتماعي. تهدف الرقابة الأمنية على المحتوى إلى جعل كل ما يبث على وسائل التواصل الاجتماعي متوافقًا مع الرؤية والتوجهات والسياسات الحكومية.

تحث رابطة الصحافة البحرينية الحكومة البحرينية على اجراء تحقيق حكومي في طبيعة وإجراءات العمل داخل إدارة الجرائم الإلكترونية بما يضمن التأكد من التزامها بأحكام الدستور والقانون. كذلك الإيعاز للسلطات في التحقيقات الجنائية إلى ضرورة الالتزام بأحكام القانون والتوقف عن إساءة استخدام السلطة وتهديد المواطنين والنشطاء ومصادرة حقوقهم السياسية والمدنية. كما وتدعو الرابطة الحكومة إلى المزيد من الإجراءات العاجلة وفي مقدمتها إطلاق جميع المحكومين في القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وإعادة الجنسية لجميع الصحافيين والنشطاء السياسيين المُسقطة جنسياتهم.  

تعمل رابطة الصحافة البحرينية على مراقبة حرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية في البحرين منذ العام 2011، وتراقب سلوك أعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ومدى حمايتهم لهذه الحقوق المكفولة بموجب الدستور، ومدى توافقها مع المعاهدات الدولية ذات الصلة. دشنت رابطة الصحافة البحرينية خلال هذا العام حملة توعوية وتعريفية تتضمن مجمل المواد القانونية التي تمثل تقييدًا لحرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية والإعلامية في البحرين، وكانت الرابطة قد أطلقت تقريرها السنوي لهذا العام بعنوان “البحرين 2023: تاريخ مُلاحق وأفق مسدود”.


زر الذهاب إلى الأعلى