العفو الملكي الخاصّ: خطوة إيجابية تنتظر من يستثمر فيها
رابطة الصحافة البحرينية: 10 مايو 2024: المملكة المتحدة، لندن: أصدر عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مرسومًا ملكيًا في شهر أبريل/نيسان 2024، يقضي بالعفو عن 1584مسجنونًا يواجهون اتهامات تتعلق سياسية وجنائية، وذلك احتفالًا باليوبيل الفضي لتوليه مقاليد الحكم.
استُقبلت هذه الخطوة بترحيب وتشجيع ملحوظ في الأوساط السياسية والاجتماعية في البحرين، لكنها أيضًا أثارت تساؤلات ومطالبات بشمول العفو القادة السياسيين المُعارضين وبقية السجناء المحكومين على خلفية الأحداث التي عصفت بالبحرين منذ مطلع العام 2011.
فما هي إيجابيات هذه المبادرة؟ وكيف يمكن استتباعها بخطوات أخرى وصولاً لحلّ الأزمة التي لا تزال تتعمّق منذ فبراير 2011؟ خصوصًا ما يتعلق بتوسيع دائرة الحريات السياسية وحرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية في البلاد.
خطوة إيجابية في مسار الإصلاحات
أتت هذه الخطوة في سياق تزايد المطالبات لإيجاد حلول جادّة للقضايا السياسية المستمرة في البحرين منذ 14 فبراير عام 2011. ويرى البعض أن هذا العفو يمثل خطوة إيجابيّة نحو مسار الإصلاح السياسي الشامل، الذي يقتضي إطلاق سراح جميع السجناء والسماح بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني والقيام بإصلاحات جريئة في ملف حقوق الإنسان والتوجه نحو مصالحة وطنية تصل إلى بناء حوار وطني يجمع كافّة الأطراف.
ورغم أن العفو شمل عدداً كبيرًا من سجناء سياسيين ونشطاء مجتمع محكومين في قضايا حرية الرأي والتعبير، إلا أنه أثار التساؤلات بشأن عدم شموله عدداً أكبر من المعارضين السياسيين، ما يجعله يبدو خطوة غير كافية في ضوء المطالبات الداخلية بإيجاد حلّ جذري لملف المحكومين الذين يصل عدد المتبقي منهم في السجون إلى نحو 540 معتقلاً وفق آخر توثيق أجراه “معهد البحرين للحقوق والديموقراطية” في 11 أبريل/ نيسان. كما أنّ التدقيق في قائمة المشمولين بالعفو يقود إلى أنّ قسماً منهم إمّا من الذين شارفت محكومياتهم على الانتهاء، أو من المحكومين في قضايا جنائية، أو من من يصنفهم القضاء بالمحكومين في قضايا شغب، وهم ليسو من قيادات المعارضة البارزين باستثناء النائب السابق عن جمعية “الوفاق” الشيخ حسن عيسى. رغم ذلك، لا يمكن المرور من أن العفو قد لاقى ترحيبًا وإشادة من فعاليات وطنية بارزة ومؤثرة.
أيّ خطوات لاحقة يجب القيام بها إذاً؟
استتباعاً لهذه الخطوة، تجب الدعوة إلى ألا تتردد الدولة في الإفراج عن باقي السجناء السياسيين وقادة المعارضة، كما أن إلغاء أحكام الإعدام، في ظلّ وجود 13 محكوماً يتنظرون هم وعائلاتهم قراراً مفصلياً لمعرفة مصيرهم، هو إجراء منتظر في أسرع الآجال. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي إعادة النظر في قرارات سحب الجنسيات التي أثرت على العديد من المواطنين وعائلاتهم بشكل كارثي، يرزح هؤلاء وعائلاتهم في معاناة نفسية ومادية جسيمة، تحتّم على الدولة النظر في إعادة اعتبارهم وتعويضهم عن الظلم الذي تعرضوا له، ومن حق البحرينيين المسحوبة جنسياتهم أن يعودوا لوطنهم بكرامة واحترام وضمان عدم ملاحقتهم والتضييق عليهم. علاوة على ذلك، يتوجب إلغاء قانون العزل السياسي الذي حرم عشرات الآلاف من ممارسة حقوقهم السياسية، فهو تعسف لا يتماشى مع مبادئ العدالة واحترام حقوق الإنسان، بما فيها حق المشاركة السياسية والمجتمعية.
بالتوازي، هناك حاجة ملحة لتكون الحكومة أكثر جدية في ضمان حرية الرأي والتعبير، خاصّة في ظلّ مواصلة السلطات البحرينية مضايقة منتقديها ومقاضاتهم. ورغم ملاحظة تحسن طفيف في فضاء حرية الرأي والتعبير إلا أن البحرين لا تزال تشهد ملاحقات قانونية تجاه بعض النشطاء والآراء المعارضة للحكومة، وذلك من خلال قانون حماية المجتمع من الإرهاب وقانون العقوبات وقانون تنظيم الطباعة والنشر.
وتتولى إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية استدعاء واستجواب النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي وبحظر وتعطيل المواقع الالكترونية واستهداف الحسابات المؤثرة. وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في عام 2023 والذي نشرته في شهر أبريل/ نيسان 2024، استدعت الشرطة البحرينية في 22 مايو/أيارالشيخ محمد صنقور بسبب إلقائه خطبة انتقد فيها ما وصفه بأنه معاملة غير إنسانية للسجناء، وفي 20 ديسمبر/كانون الأول، احتجزت السلطات الناشط المعارض إبراهيم شريف بسبب تغريدات له تدين سياسة الحكومة بشأن الأزمة الفلسطينية.
فيما يُعنى بحرّية الصحافة في البحرين ، فالواقع أنّها تراجعت بشكل كبير، وحان الوقت لتقديم مبادرات حكومية لمراجعة وضمان حرية الصحافة في البلاد، حلت البحرين في المرتبة قبل الأخيرة في مقياس حرية الرأي والتعبير في “مؤشر المشاركة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي” السنوي الذي يصدره البيت الخليجي للدراسات والنشر، كما حلّت في المرتبة الأخيرة بين دول الخليج في “مؤشر حرية “الصحافة السنوي لعام 2023 الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”.
لتغيير هذا الواقع السيء، يجب إجراء تغيير جوهري في القوانين التي أثرت سلبًا على حرية الرأي والتعبير في البلاد. البحرين باتت بيئة سيئة للصحافيين والسياسيين ونشطاء المجتمع المدني، ومن الضروري توفير بيئة تسمح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم بحرية ودون خوف، فحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ليستا مصدر قلق لأحد، بل يجب أن تكونا ضمانة لحقوق الإنسان الأساسية. من هنا، فالضوابط والقوانين المنظمة لهذه الحريات يجب أن تكون عادلة ومتوازنة، وألا تكون مُعيقة لعمل الصحافيين والنشطاء المدنيين.
الأولى بالدولة ومؤسسات المجتمع المدني التركيز على القضايا الحقوقية بما يشمل حرية الرأي والتعبير وتحسين أوضاع حقوق الإنسان واعتبارها الأولوية القصوى، كذلك مساعدة المفرج عنهم والذين شملهم العفو الملكي الخاصّ لصنع بدايات جديدة تؤمن إعادة دمجهم في مجتمعهم واحتوائهم.
بالنسبة لجماعات معارضة، فالأولى بها انتهاز هذه الفرصة للبناء عليها والتفاعل الإيجابي معها، لما من شأن هذه المبادرة أن تزيد من فرص المصالحة المجتمعية في البلاد وأن تؤدي فيما بعد لتجاوز واحدة من أهم الأزمات التي شهدتها البحرين.