مريم عبد الهادي الخواجة: أم أبيها
لم تكتف مريم عبدالهادي الخواجة في أن تأخذ من والدها صفة المدافعة عن حقوق الإنسان، شاءت الأقدار أن تصبح هذه الفتاة أم أبيها، وأن تشاركهُ تحمُل الكثير من الأوجاع والتعب.
لجأت مريم مع عائلتها إلى الدنمارك حتى العام 2001، وقتئذ سمح لعبد الهادي الخواجة وعائلته العودة إلى البحرين. تموضع والدها في مواجهة السلطة لم يسمح لها أن تبدأ حياتها العملية إلا كمسؤولة في العلاقات الخارجية في مركز البحرين لحقوق الإنسان، وهو المركز الذي شارك والدها في تأسيسه عام 2010.
قبل ذلك، كانت مريم مهتمة بتسليط الضوء حول ما تعانيه البحرين من انتهاكات في ملف حقوق الإنسان والحريات، شاركت في وفد توجه عام 2006 إلى مبنى الأمم المتحدة في نيويورك لمقابلة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، لتسليمه عريضة جماعية تُطالب باستقالة رئيس الوزراء حينها الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة بسبب انتهاكات حكومته لحقوق الإنسان.
وفي عام 2008، دعت لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان مريم الخواجة للشهادة في الكونجرس الأمريكي بشأن الحرية الدينية في البحرين. تعرضت بعدها مع نشطاء آخرين لهجوم واسع شنته وسائل الإعلام الموالية للحكومة.
في واجهة احتجاجات 2011
شاركت مريم مع والدها الذي تم إلقاء القبض عليه وتعذيبه حيث يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة، في المظاهرات التي شهدتها البحرين في فبراير من عام 2011، لتسافر بعدها إلى إلى الخارج في جولة للحديث في التجمعات والمؤتمرات الحقوقية عن الوضع الحقوقي في البحرين، اجتمعت مع سياسيين وحقوقيين ومسؤولين أمريكيين وأوروبيين، كما وتحدثت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف عدة مرات.
استطاعت ميم خلال العام نفسه من لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خلال مشاركتها في منتدى أمريكا والعالم الإسلامي، وابلاغها بقضية اعتقال والدها واثنين من اقاربها، مناشدةً إياها بالضغط على الحكومة البحرينية لإيقاف العنف والقمع الذي تمارسه على معارضيها.
في مايو من عام 2011 تحدثت مريم في منتدى أوسلو للحريات عن تجربتها مع عنف الحكومة في البحرين، وقدمت أدلة على ذلك في جلسة استماع الكونجرس الأمريكي بشأن حقوق الإنسان في البحرين .
تعرضت مريم خلال سنوات نشاطها لمضايقات من قبل مؤيدي الحكومة ولحملات تشويه عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تلقت العديد من رسائل التهديد التي منعتها من المشاركة في الفعالية التي نظمتها “آيفكس” (الشبكة العالمية للدفاع عن حرية التعبير والترويج لها) في لبنان في أوائل شهر يونيو من عام 2011. وأوصت منظمات حقوقية الخواجة بعدم العودة للبحرين حفاظًا على سلامتها.
مضايقات حكومية
في أغسطس عام 2014، قررت مريم الخواجة خوض مغامرة مجهولة العواقب والعودة إلى البحرين لزيارة والدها المحكوم بالسجن مدى الحياة لمشاركته السلمية في الاحتجاجات. احتجزت السلطات مريم فور وصولها بتهمة “الإعتداء على ضابط شرطة في المطار” قبل إطلاق سراحها بكفالة بعد عشرين يومًا تحت ضغوط منظمات حقوقية عالمية. غادرت مريم إلى لندن بعد ازالة منع السفر. أصدرت محكمة بحرينية في ديسمبر من العام نفسه حكمًا غيابيًا بالسجن لسنة كاملة على مريم بتهمة الإعتداء.
تستمر مريم في الواجهة وتستمر محاولاتها في إثارة قضية والدها الذي ما يزال يقبع في السجن للعام الثاني عشر على التوالي، وهو في حالة صحية حرجة تستلزم حصوله على العناية الصحية الضرورية، في حين تتجاهل السلطات البحرينية مطالبهُ ومطالب عشرات المؤسسات الحقوقية حول العالم.
في 7 سبتمبر الماضي أعلنت مريم عبر حسابها على منصة X نيتها العودة إلى البحرين للضغط على الحكومة لتقديم المساعدة لوالدها رغم خطر محتمل بتعرضها للاعتقال، حيث تعتبر الحكومة البحرينية الحكم الصادر بحقها قائمًا رغم مرور 9 سنوات. أكدت مريم أنها تحاول “العودة لمحاولة زيادة الضغط والاهتمام حول قضيته وقضية 800 سجين سياسي في البحرين من المضربين عن الطعام”. كانت مريم تعتزم السفر مع نشطاء حقوقيين آخرين، من بينهم الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار والأمين العام لمنظمة “Action Aid-Denmark” تيم وايت والمسؤول في منظمة العفو أندرو أندرسون والمدير بالإنابة لمنظمة “Front Line Defenders ” أوليف مور والتي كان عبد الهادي الخواجة عضوًا فيها.
في 15 سبتمبر أعلنت مريم أنها مُنعت ومرافقيها الأجانب من الصعود على متن الطائرة في رحلتها المقررة من لندن إلى المنامة، حيث تواصلت الحكومة البحرينية مع الشركة الناقلة وطلبت منها عدم السماح للخواجة بالدخول إلى أراضيها، تزامن ذلك مع إلغاء السلطات الحكومية في البحرين الزيارة المفترضة لوفد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي كان من المقرر أن تمتد لأربعة أيام يطلع فيها الوفد على أوضاع السجون في البلاد.
لا تزال مريم وعائلتها يبحثون يقلبون صفحات الحظ أملًا في لقاء الأب البعيد، بالتوازي، لا تزال حكومة البحرين مستمرة في تبني سياسة انتقامية لا تسامح فيها الكيدية مع المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين. دشنت الحكومة البحرينية مشروعين إيجابيين برعاية أمريكية وبريطانية، وهما قانون السجون المفتوحة والعقوبات البديلة، لكن الخواجة مُستبعد من الاستفادة حتى الآن. رغم ذلك، ستبقى مريم تحاول وتحاول، كاي أم لا يسعها البتة أن تتخلى عن صغيرها.