لماذا تمنع الحكومة البحرينية مواطنيها من الكتابة في التاريخ؟
رابطة الصحافة البحرينية، الجمعة 17 نوفمبر 2023، لندن، المملكة المتحدة: في يوم الجمعة 10 نوفمبر 2023 تلقى الباحث البحريني وصاحب مدونة «سنوات الجريش» الشهيرة، اتصالاً هاتفياً يطلب منه الحضور إلى مبنى التحقيقات الجنائية التابع لوزارة الداخلية مع رفض المتصل الإفصاح عن الأسباب، توجه آل عباس إلى المبنى وبعد ساعات أصدرت الداخلية بياناً قالت فيه أن آل عباس متهم بـ “الطعن في الثوابت الدينية والوطنية للمجتمع البحريني وترويجه معلومات تاريخية مغلوطة من شأنها إثارة الفتنة في المجتمع وتهديد السلم الأهلي”.
من هو جاسم آل عباس؟ ولماذا تلاحقه السلطات البحرينية؟
جاسم آل عباس هو شاب بحريني مهتم بالتاريخ، قرر في العام 2008 إنشاء مدوّنة على الإنترنت تعنى بكل ما يخص الشؤون التاريخية للبحرين، وبالأخص تلك التي لا يتم تدوينها في كتب التاريخ الرسمية، والتي تتعلق بتاريخ الطائفة الشيعية في البحرين تحديدًا. يعبّر آل عباس عن هموم أغلبية وازنة في الطائفة الشيعية، يعتقد كثير من المنتمين لها أن هويتهم وتاريخهم ومخطوطاتهم خارج كتب التاريخ والرواية الرسمية. يرى كثير من أبناء هذه الطائفية أن أبحاث وأوراق هذا الباحث تعيد لأبناء الطائفة جزءً من تاريخهم الذي يُراد له أن يندثر بتجاهل تدوينه، بشكل متعمّد.
بعد إنشاء المدونة سيكتشف جاسم آل عباس أنه تحول إلى هدف من قبل “مجهولين”، ستتعرض مدونته للاختراق أكثر من مرّة، وسيضطر لإغلاقها حفاظاً على محتواها من النسف والحذف. بعد العام 2011 انشأ جاسم صفحةً في موقع التواصل الاجتماعي “انستغرام” جلبت لها عشرات الآلاف من المتابعين الذين يتفاعلون مع كل منشور جديد، أصبحت بعض التدوينات مادّة ساخنة لحديث المجالس والنقاشات المجتمعية، كما تحفز تدويناته العشرات من المواطنين لنشر وثائق ومخطوطات تاريخية تخصهم، لم يكن ليطّلع عليها أحد.
نشاط آل عباس خارج الحدود الرسمية المرسومة، أغضب السلطات التي لم تكن تستطيع بسهولة ملاحقته نظراً لالتزامه بالقراءات التاريخية وابتعاده عن تقديم أي وجهات نظر سياسية. رغم ذلك استدعت السلطات جاسم للتحقيق في 30 يناير 2020 متهمة إياه بـ “نشر معلومات مغلوطة”، وبعد التوقيف رهن الاحتجاز لمدة أسبوع أفرجت السلطات عنه.
أغلق الموقع الرسمي لمدونة سنوات الجريش بعد هذه الحادثة ولم يفتح مرّة أخرى، لم تتضح بعد أسباب هذه الخطوة بشكل رسمي، فيما يرجَّح أن تكون وليدة ضغوط متتالية من الجهات الرسمية أثناء التحقيق والاحتجاز وربما كانت ثمناِ لحريته والتوقف عن ملاحقته، ليكتفي بعد ذلك بالتدوين في انستغرام حيث بات لديه أكثر من 300 ألف متابع.
قبل أسابيع انتشر مقطع مصور لصاحب مدونة سنوات الجريش وهو يتحدث عن مرويات تاريخية تخص أبناء الطائفة الشيعية في البلاد. ذِكر جاسم آل عباس لهذه الحادثة تسبب بغضب من الجهات الرسمية، لتبدأ حملة تحريض عليه في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل حسابات وهمية تطالب باتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، وهو ما حدث مباشرة مع بداية حملة التحريض تلك وكأنها كانت الغطاء أو المبرر لاستدعائه واعتقاله.
ورغم أن البعد الطائفي لا يمكن إغفاله في مثل هذه الحادثة، إلا إن الخطر الحقيقي وراء هذا الاستدعاء والاعتقال يكمن في انتهاج الدولة سياسة تقوم على منع وتجريم البحث والتدوين التاريخي للبحرين بأي صورة لا توافق ورعاية وموافقة المؤسسات والأجهزة الحكومية الرسمية، وخطورة ذلك تكمن في توسّع حملات القمع لتشمل مجالات أخرى تضاف إلى التعليق على تعقيدات الحياة السياسية في البلاد.
قبل عام ونيف استدعت السلطات الأكاديمي والباحث نادر كاظم، وبعد توقيفه والتحقيق معه لأيام، فُصل كاظم من عمله في جامعة البحرين، وأوعزت السلطات للمكتبات الوطنية بسحب كتبه التي طبع بعضها على نفقة بعض الجهات الحكومية، وغالبيتها كانت مرخصة من وزارة الإعلام. تلك الحادثة دقّت ناقوس الخطر لكثيرين في أن الدولة بدأت حملة قمع جديدة لم تعد تتعلق بالمنشغلين في الحقل السياسي أو الاجتماعي بل تعدت ذلك إلى شخصيات غير معارضة، بل هي بالأساس شخصيات مُنشغلة بالحقل المعرفي والأكاديمي البحت.
إن مثل هذه الحملات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن السلطات البحرينية ماضية في تطويق ما تبقى من هوامش حرية لدى البحرينيين، لتبقيهم في إطار ضيق لا يملكون فيه أي حرية حقيقية في أي مجال من المجالات، وهي مصدر قلق لكل الكتاب والباحثين الذين باتوا يخشون ممارسة أي نشاط بحثي أو أكاديمي في أي من الموضوعات التاريخية للبحرين.
إن السلطات مدعوّة للإفراج الفوري عن الباحث جاسم آل عباس وإسقاط التهم الموجهة إليه والكف عن مضايقته، كما أنها مطالبة بالتوقف عن استهداف المواطنين بسبب اشتغالهم بأي حقل من الحقول الإبداعية في أي مجال من المجالات.