جرس إنذار: مستقبل تويتر وانعكاساته على النشطاء في الخليج

رابطة الصحافة البحرينية، المملكة المتحدة لندن، 23 ديسمبر 2022: مع مطلع 2022 بدأ الملياردير الأمريكي إيلون ماسك شراء أسهم أحد عمالقة منصات التواصل الاجتماعي “تويتر”. لم تمض أشهر قليلة حتى أعلن أنه استحوذ في منتصف مارس 2022 على نحو 9.1٪ من أسهم الشركة مقابل 2.64 مليار دولار، ما جعله المساهم الأكبر في الشركة. طموحات أغنى رجل في العالم لم تتوقف عند هذا الحد، بات واضحاً بعد رفضه في أبريل 2022 الانضمام لمجلس الإدارة أنه يخطط لما هو أكبر من ذلك، حيث أن اللائحة الداخلية للشركة تمنع أي عضو في مجلس الإدارة من تملك ما يفوق عن 15٪ من أسهم الشركة.

بعد أيام من رفضه الانضمام لمجلس الإدارة، قدم ماسك عرضًا لشراء الشركة مقابل 43 مليار دولار، وهو ما فتح الباب لنقاش عميق داخل الولايات المتحدة حول مدى صوابية وجود قوانين تسمح لرجال الأعمال الأثرياء بشراء منصات أو وسائل إعلام ذات تأثير كبير، وتحويلها إلى شركات خاصة تخضع لمصالح ملّاكها.

مؤسس تويتر جاك دورسي على سبيل المثال لم يكن يمتلك أكثر من 2٪ من أسهم الشركة، وحين كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي، كان يرجع إلى مجلس الإدارة الذي له سلطة أعلى عليه، فيما مجلس الإدارة يعود إلى الجمعية العمومية، أما الشركة ككل فكانت تخضع لقوانين وأنظمة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية SEC، ومع استحواذ ماسك على الشركة فإن كل هذه الجهات لن تكون موجودة لحظة اتخاذ القرار، أياً كان هذا القرار.

من هنا رأينا التخبط الذي وقعت به الشركة منذ انتهاء عملية الاستحواذ في أواخر أكتوبر الماضي، ومجيء ماسك رئيساً تنفيذيا، حيث طرد واقال كبار مسؤوليها ونحو نصف موظفيها، وبدأ باتخاذ قرارات مربكة بالحد الأدنى.

إعلان ماسك عن إتاحة التوثيق للحسابات باشتراك شهري، وحظر حسابات موثقة لشخصيات بارزة بسبب تهكمهم على مالك الشركة، مروراً بإعادة حسابات محظورة كانت تروج لخطاب الكراهية أو تحرض على إحداث حرب أهلية (كما هو الحال مع حساب الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب)، وصولاً إلى حظر حسابات 6 صحفيين مؤخراً بعد تتبع أحدهم مسار رحلة طائرة ماسك الخاصة وإعادة تغريد البقية لهذه التدوينة، كل هذه الإجراءات والخطوات أدخلت مستخدمي هذه المنصة في قلق على مصيرها ومستقبلها.

منذ مجيء ماسك للمنصة، قامت عدد من الشركات العملاقة بوقف دعاياتها عبر تويتر، فيما عبّر بشكل مبكر مالك شركة أمازون، الملياردير المالك لصحيفة الواشنطن بوست، جيف بيزوس عن مخاوفه في أعقاب عملية الاستحواذ متسائلاً عما إذا كانت الصين قد امتلكت بعض النفوذ على محتوى تويتر في بلادها، نظراً للعلاقات التجارية الوثيقة بينها وبين شركة تسلا الرائدة في مجال السيارات الكهربائية والتي يملكها ماسك.

أما هنريك فيسكر، مالك شركة فيسكر للسيارات الكهربائية، أحد منافسي شركة تسلا، فقد سارع إلى حذف حسابه من على المنصة خشية من رقابة ماسك وتحكمه بحسابه الشخصي.

أشارت دراسة نشرت في صحيفة النيويورك تايمز أن خطاب الكراهية والعنصرية في تويتر شهد ازدياداً بنسبة تفوق الـ 60٪ عما كان عليه وذلك خلال أسبوعين فقط من إتمام صفقة الاستحواذ وإدارة ماسك للمنصة.

بالنسبة للنشطاء في الخليج فإن تحول منصة تويتر إلى شركة خاصة مملوكة لرجل أعمال لديه مصالح تجارية في عدد من بلدان الشرق الأوسط والخليج، فهو أمر مثير للقلق. يتساءل كثيرون ما إذا كان تويتر بسياساته الجديدة سيلجأ لتعويض مبيعات الإعلانات عبر بيع بيانات المستخدمين إلى دول غير ديمقراطية، في إطار تعاونات ذات طابع أمني أو بحجج مكافحة الإرهاب أو حتى بشكل سري. لم تعد شركة تويتر مقيدة بالضوابط والقوانين التي تنظم عمل مثل هكذا منصات، أصبحت شركة خاصة قد تخضع للمساءلة في حالات محدودة وقليلة جداً.

فشل البدائل

قام عدد من النشطاء الفاعلين في الولايات المتحدة بهجر منصة تويتر والتوجه إلى منصات أخرى، مثل تيك توك، انستغرام وسناب شات، حيث تمتلك هذه المنصات جمهوراً واسعاً من مختلف الفئات العمرية، لكن المعضلة الحقيقية التي يواجهها نشطاء الخليج تحديداً، تكمن في التأثير المحدود لهذه المنصات في الشأن السياسي، حيث لا تزال هذه التطبيقات تستخدم لأغراض الترفيه بعيداً عن السياسة والتفاعل معها.

حتى أولئك الذين قرروا هجرة تويتر من نشطاء في الولايات المتحدة، يدركون تماماً أن هذه المنصة تكاد تكون الأبرز والأهم في العالم فيما يتعلق بإبداء الآراء السياسية، فيما تلجأ الحكومات إلى تويتر لإبراز مواقفها الرسمية والتعليق على الأحداث أولاً بأول. الجدير بالذكر أن الدول التي تحظر هذا التطبيق رسمياً (إيران والصين مثالاً)، تقوم باستخدامه والتواجد فيه من أعلى المستويات، حيث يمتلك المسؤولون وصناع القرار في هذه الدول حسابات رسمية يقومون باستخدامه بشكل كثيف، في دلالة أخرى على أهمية تويتر.

في السنوات القليلة الماضية لعب تويتر دوراً بارزاً في الحركات والاحتجاجات السياسية في عديد الدول، لا أحد يستطيع إغفال الدور الرئيسي لتويتر في حركة الاحتجاج في إيران عام 2009 (الثورة الخضراء) أو أحداث الربيع العربي 2011، بالإضافة إلى استخدامه كمنصة رئيسية للتحشيد لحركة Mee Too النسوية وحركة Black life Matters بعد مقتل الشاب الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد، وهي حركات انطلقت من الولايات المتحدة وانتقلت إلى عدد من الدول الأخرى بفضل تويتر ومدى تأثيره.

لم يستطع أي تطبيق من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أن يكون بديلًا مقنعاً لتويتر، لذلك، يبدو خيار التواجد فيه والنشر من خلاله ضرورة لمعظم النشطاء حول العالم، وبالنسبة للخليجيين هو خيار لابد منه، لكن سؤالًا ملحًا أصبح يشغل بال العديد من السياسيين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني في دول الخليج حول السياسات الجديدة لتويتر ومآلاتها.

بعد حظره لحسابات 6 صحفيين بارزين في الولايات المتحدة، تعرض ماسك لحملة واسعة، كما لاقت خطوته انتقادات حادة من شخصيات بارزة في مواقع رسمية بما فيهم الأمم المتحدة التي وجهت له اتهامات بمخالفة مبادئ حرية الرأي والتعبير، وهو ما اضطر ماسك للتراجع عن قراره وإعادة تفعيل حسابات الصحفيين المذكورين بعد أيام معدودة. 

يبدو أن عملية تنظيم الحملات الإعلامية الضاغطة على إيلون ماسك ستكون الطريقة الوحيدة والفاعلة للتعامل مع أي قرار تعسفي لتويتر قد يتم اتخاذه في المرحلة المقبلة. لكن، هل لنشطاء الخليج القدرة على التأثير ومواجهة أي إجراءات تحد من نشاطهم أو تمثل تهديداً لسلامتهم الشخصية؟ 

زر الذهاب إلى الأعلى