الأجانب في الخليج: تجارب متناقضة
تختصر ثنائية العامل السيد والعامل المستَغَل الوضع الطبقي للعمالة المهاجرة في دول الخليج. عامل مهاجر يحظى بأفضلية خاصة قد ينافس بها أحياناً، أو لعله يتفوق، على المواطن الخليجي نفسه. قبالة عامل مهاجر آخر مسحوق بلا حقوق وعرضة للاستغلال والعديد من أشكال العبودية الحديثة.
يحظى الأول غالباً برواتب عالية وتذاكر السفر والتأمين الصحي وبدل المدارس والسكن والاتصالات والمواصلات له ولعائلته. فيما يحصل النوع الثاني على رواتب منخفضة وأحياناً غير منتظمة إضافة إلى المضايقات والإهانات المستمرة والعيش في مساكن العمّال الآيلة للسقوط حيث يتكدس العمال فوق بعضهم البعض. صورتان متناقضتان نصادفهما بكثرة في منطقتنا التي تستقطب نحو 10% من العمالة المهاجرة في العالم معظمهم من الدول الآسيوية.
ثمة وصف شعبي نمطي في الخليج للفئة الأولى من العمالة الوافدة. إذ يطلق عليهم “الحمران” المشتق من اللون الأحمر، وهي كناية عن البيض. هؤلاء في الغالب غربيون ومن جنسيات أوروبية أو من أمريكا الشمالية. لكن بين “الحمران” أيضاً هناك أناس غير بيض مع ذلك يجري إدراجهم ضمن الوصف إذا كانوا من الدول الغربية. نصادف في الدراسات والتقارير المتخصصة التي تحلل أوضاع السوق والعمالة المهاجرة في الخليج تسميات وظيفية ملطفة للفئتين مثل العمالة الماهرة ذوي المؤهلات العالية في قبال العمالة غير الماهرة أو شبه الماهرة أو متدنية الأجور. وقد بنيت جميع الخطط التنموية في الخليج وبرامج إصلاح اختلالات السوق على أساس استقطاب النوع الأول، أي العمالة الماهرة. وفي المقابل التقليل من تدفق المهاجرين ذوي المهارات المتدنية وشبه المهرة. لكن من الناحية الفعلية فإن الدول الخليجية تعتمد غالباً على النوع الثاني لملء الفراغ الناتج عن نزوح الخليجيين عن العمل في بعض المهن مثل أعمال التنظيف والصيانة والمطاعم ومراكز التسوق والعمل المنزلي والبناء والأشغال. ولهذه الفئة الثانية تدين معظم دول الخليج في تشييد جزء مهم من نهضتها العمرانية وإنشاءات البنية التحتية.
إقامة غير مستقرة
يشكل الوافدون الغالبية العظمى من مجموع التعداد السكاني في دول مجلس التعاون الخليجي استثناء المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان اللتان ما تزالان تحافظان على وجود أغلبية سكانية من المواطنين. إذ يمثل الوافدون 87 % من السكان في قطر و 99 % في الإمارات و53 % في البحرين و75 % في الكويت. بحسب الإحصائيات المتوافرة هناك ما بين 21 إلى 22 مليون عامل مهاجر يقيم في منطقة الخليج ربعهم على الأقل أي بواقع 5 مليون هم من ذوي المهارات والمؤهلات العالية. وأما الثلاثة أرباع المتبقين فهم من العمالة غير الماهرة. مع بعض التحفظ هنا على استخدام مثل هذه التسميات كونها لا تعكس الواقع أحياناً. ذلك أن بعض الوافدين المصنفين كمؤهلين هم ليسوا كذلك ولا تزيد إمكانياتهم عن إمكانيات المواطنين المحليين. فضلاً عن أن البعض منهم مؤهلاتهم عليها علامة استفهام كما تكشف ذلك بعض القضايا التي تثار في الصحف أو تصل إلى المحاكم.
إلا أنه رغم الفارق الطبقي الموجود بين فئتيّ الوافدين فإن كليهما محكوم بإقامة غير مستقرة في الخليج. إن نظام الكفالة هو الإطار القانوني الموجود الذي ينظم هجرة الوافدين والأجانب إلى مجلس التعاون الخليجي. وهو يمنح وزير الداخلية الحق في أي وقت في إنهاء إقامة الأجنبي وإبعاده.
تشترك كل البلدان الخليجية في اعتماد نظام الكفالة لضبط عملية تدفق العمالة وأعدادها ومنحها الصبغة القانونية عندما تكون هناك حاجة لها مع بعض الاختلافات الطفيفة. خلال السنوات الأخيرة طورت بعض دول الخليج مبادرات كقانون منح “حق اللجوء والإقامة” في قطر، أو “الإقامة الدائمة” في الإمارات، أو “الإقامة المميزة” في السعودية، أو “الإقامة الذهبية” في البحرين، لكن كلها برامج تستهدف تقريباً فئة واحدة، وهي فئة المستثمرين والوافدين الأغنياء.
غالباً ما يتم النظر في الخليج إلى العامل الأجنبي على أساس أنه ظاهرة مؤقتة. القاعدة السائدة هي أنه مهما امتدت إقامة العامل الأجنبي عشرات السنين في الخليج أو تعددت مساهماته إلا أن الحصول على حق الإقامة الدائمة ما يزال أمراً بعيداً. ناهيك طبعاً عن الجنسية والجواز الذي يكاد يكون منحهما أمراً نادراً جداً. ويمكن استثناء البحرين حيث تمنح الجنسية بكثرة للتعامل مع صراع سياسي داخلي محلي.
يشكل الوافدون الذين يتركزون في وظائف معينة مثل عمال وعاملات المنازل والمنظفين والسواقين وعمال الإنشاءات الفئات الأكثر استضعافاً بين فئات العمالة المهاجرة. فهم كثيرا ما يتعرضون للتنمر والعنصرية وربما التحرش أحياناً خاصة بالنسبة إلى عاملات المنازل اللائي يطلق عليهن تسمية “خدم/ خدامة” الاستنقاصية.
هنا تشترك المجتمعات الخليجية مع الأنظمة في تحمل مسؤولية ذلك. بل تصل مساهمة الأخيرة أحياناً إلى تحريض السلطات على استخدام إجراءات الإبعاد ضد الوافدين حال ارتكابهم أخطاء معينة يمكن للقوانين المحلية التعامل معها بسهولة بمنأى عن هذا الإجراء كما حصل في كثير من المرات عند “إساءة” استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي. كما تساهم المجتمعات في رسم صورة قاتمة لسكن العمال الأجانب في الأحياء التي يتركز فيها المواطنون المحليون.
إن الحديث عن حقوق العمالة المهاجرة أو المستقطبة قد لا يحظى بالتعاطف في دول الخليج. لكنه موضوع حساس ومهم ويرتبط معظمه بسياسات حكومية من الواجب نقدها أو بثقافة اجتماعية من الواجب مساءلتها من أجل تغييرها نحو الأفضل. وقد آن الأوان لفعل ذلك.
للإستماع إلى بودكاست “توّ النهار” حول هذا الموضوع إضغط هنا.