تمكين المرأة: مشروع نهضة أم دعاية دولة؟

غدا “تمكين المرأة” أحد المحاور الثابتة في الخطط التنموية وبرامج الإصلاح السياسي والاقتصادي في دول الخليج العربي. فجميعها بلا استثناء قد نصّت بصيغ مختلفة على توفير البيئة الملائمة لمشاركة المرأة في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية: الرؤية المستقبلية عمان 2040، رؤية السعودية 2030، رؤية البحرين الاقتصادية 2030، رؤية الكويت 2035، رؤية الإمارات 2071، رؤية قطر الوطنية 2030. 

وتتسابق الدول الخليجيّة فيما بينها على تقديم أمثلة برّاقة على ما وصلته عملية تمكين المرأة لديها. أول قاضية وأول رئيسة برلمان وأول سفيرة وأول وزيرة وأول نائبة إلى ما ليس له آخر من صيغ الأسبقية. 

لكن ما هو الحقيقي والوهمي في كل ذلك؟

لنعترف بداية بأن عملية تمكين المرأة ومواطنتها في منطقة الخليج العربي قد حقّقت اختراقات. إن مقارنة وضعها الآن مع وضعها ما قبل الاستقلال، أي منذ ما قبل حوالي خمسة عقود، فإنه، ودون شك، يمكن ملاحظة العديد من التغييرات الإيجابية. فعلى سبيل المثال يُعد تعليم المرأة، بمختلف مراحله، أحد أكثر المجالات التي تحقق فيها تقدم حقيقي وإغلاق شبه كامل للفجوة بين الجنسين. بل أن بعض التقارير التنموية تشير إلى أن معدلات التحاق الإناث بالتعليم العالي في سلطنة عمان وقطر والبحرين والسعودية قد فاقت معدلات التعليم العالي للذكور. 

يعود هذا بالطبع إلى جهود الدولة في الخليج. حتى وقت قريب كانت المرأة في هذه الدول تُحرَم من قبل قوى نافذة في المجتمع كرجال الدين وأحياناً السلطة الأبوية في بعض العائلات والقبائل من التعليم العالي بحجة الاختلاط. لكن بفضل تدخل الدولة وكفالتها للتعليم فقد تم القضاء تقريباً على تأثير مثل هذه التوجهات المحافظة. إلا أنّ المشكلة الحقيقية لا تكمن هنا بل في مكان آخر. وهي أن مؤشرات التعليم العالية للمرأة لا تنعكس بشكل حقيقي على الحياة العامة، كما في سوق العمل مثلاً. 

تمثل المرأة الخليجية نحو 40 % من إجمالي عدد السكان في دول الخليج؛ لكن مشاركتها في سوق العمل كقوة اقتصادية لا تزيد عن 29 %. بل أن هذه النسبة يمكن أن تتضاءل إلى مستوى أقل بكثير فيما يتعلق بحضور المرأة في المناصب العليا أو المجالس المنتخبة. كما لو أن واقع المرأة في الحياة العامة يتناسب عكسياً، لا طردياً، مع مستوى كفاءتها التعليمية. 

ما زالت الحياة العامّة من بطولة الرجل ما يكشف عن تناقض فاضح. أي تناقض بين أعلى مخرجات تعليم للمرأة وأسوأ تمثيل لها في الواقع العملي.

المرأة والتمكين السياسي

ثمّة مقولة تُردّد في الأدبيات السياسية مفادها “إن دخول المرأة في السياسة ليس سوى تجميل لسلطة رجال مطلقة”. تنطبق هذه المقولة إلى حد كبير على واقع المرأة في الحياة السياسية بدول الخليج. 

يمنح التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين 2022 والذي يتولى إصداره سنوياً “المنتدى الاقتصادي العالمي” الإمارات أعلى درجة في سلّم مشاركة المرأة في الحياة السياسية. ليس على مستوى الخليج فقط؛ بل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها. قبال ذلك فهو يضع الكويت في أدنى درجات السلّم. ويرى التقرير بأن الإمارات قامت بتحقيق التكافؤ على المستوى البرلماني. 

إن تصنيف التقرير متأثر بمفاعيل توجيهات رئيس الإمارات السابق، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي قرر في العام 2019 أن يعتمد نظام “الكوتا” لمقاعد المجلس الوطني الاتحادي بحيث يتشكل من 20 رجلا و20 امرأة من جميع إمارات الدولة. لكن هذا التقرير لا يناقش مدى كفاءة هذا اللون من المشاركة السياسية وما إذا كانت هي مشاركة فعلاً وليست قناعاً يختفي خلفه رجال مهيمنون.

أخذاً بهذا النوع من المقاييس فإن الدول الخليجية يمكن أن تتفوق في كل شيء؛ حتى مع كون الواقع وشواهده على خلاف ذلك. وفي الحقيقة الأرقام وكسب المؤشرات وشهادات الاعتمادية هي لعبتها المفضّلة. الأمر نفسه يمكن أن يقال أيضاً بخصوص المرأة العمانية التي فازت بمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس الدولة. والمرأة البحرينية التي فازت برئاسة مجلس النواب. والمرأة السعودية التي أصبحت سفيرة بلادها في الولايات المتحدة. 

مع حفظ الأسماء والألقاب طبعاً إلا أن الشيطان – كما يقال دائماً – يكمن في التفاصيل. ما تزال المشاركة السياسية للمواطن الخليجي وولايته على شؤونه العامة في أضيق حدودها. وفي ظل ذلك، يغدو الحديث عن تمكين المرأة سياسياً نوعاً من الخداع.

إن التمكين مفهوم شامل لكنه في الخليج يطبق بشكل انتقائي بحيث يعيد إنتاج الأبوية أو تحسين شروطها أو بشكل يركز على إنتاجية المرأة في مجالات التربية والاقتصاد فقط. إن كثيراً من النساء البارزات في الخليج في الحقيقة يعملن مجرد متحدثات باسم الدولة. وهذا راجع إلى حقيقة أن الدولة هي من قامت بإبراز هؤلاء النسوة كما هو الحاصل في وجود الطبقة التجارية.

مشكلة في التمكين

من المهم التنبه إلى أن مصطلح التمكين نفسه ينطوي على مشكلة. إنه يَفترض أن المرأة ضعيفة وتحتاج إلى التمكين؛ بينما الواقع يقول إن الظروف التي تعيش بموجبها هي ما يٌضعِفُها. إن ما يجعل النساء ضعيفات هي عوامل مركبة وليس انتماءهن لنوع اجتماعي معين أو طبقة أو عرق أو مذهب أو ثقافة. وفي الحقيقة لم تخلق الحكومات الخليجية وحدها هذه الظروف، بل لعلها أكثر انفتاحاً على قضايا تمكين المرأة من مجتمعاتها. 

على سبيل المثال، فإنه غالباً ما تقف قوى اجتماعية أخرى وراء عدم وصول المرأة إلى المجالس المنتخبة أو وصولها لها بقلة قليلة نادرة. عادةً، تفضل الحكومات وصول النساء لأغراض تتعلق بصورتها في العلاقات الدولية. قبالة ذلك، يمكن القول فيما يخصّ عزل النساء في أعمال معينة مثل التدريس والخدمات الاجتماعية؛ أو تلك النظرة الدونية لها المتمركزة على الوظيفة البيولوجية كعملية الحمل والولادة وتربية الأطفال، يمكن القول بأنها، على الأغلب، نتيجة ثقافات مجتمعية لا سياسات حكومية. 

إنها مشكلات ناتجة عن تقاطع عوامل عدّة يتشارك فيها المجتمع مع الدولة سواء بسواء. فإلى جانب نقد الحكومات التي هي فعلاً مسؤولة وتستحق النقد إلا أنه ينبغي نقد الثقافة أيضاً كما القوى السائدة التي تعبر عن هذه الثقافة أو تنطق باسمها.

إن مسيرة “تمكين المرأة” هي مسيرة طويلة. وهي حتماً لا ترتبط بوجود مجموعة مختارة من نساء العائلات الراقية في مناصب معينة. هذا ليس هو التمكين، التمكين هو تمكين النساء جميعًا وليس عدداً من السيدات المختارات بعناية. التمكين هو ضمان حرية المرأة واستقلاليتها ومشاركتها في صنع القرار عبر إشراكها في سن التشريعات والقوانين التي ما تزال وظيفة يهيمن عليها الرجال. ولعلّ التمكين الحقيقي يكون حين لا تصبح هناك حاجة لتكرار القول “تمكين”. يتنبأ التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين بأن تحقيق التكافؤ بين الجنسين سوف يستغرق على الأقل 132 عاماً من الآن. ما يعني أن الطريق طويل؛ ولكن من المهم أن نحاول. 

للإستماع إلى بودكاست “توّ النهار” اضغط هنا. كما يمكنكم الاستماع إلى الحلقة عبر منصات أبل بودكاست/ جوجل بودكاست/ RSS/ سبوتيفي:

زر الذهاب إلى الأعلى