الإصلاح في البحرين: القرارات الشجاعة مطلوبة
عاودت منظمة “فريدوم هاوس” لتصنيف البحرين كدولة “غير حرة” في تقريرها حول حالة الحقوق السياسيّة والحريّات المدنيّة في دول العالم لسنة 2022، وحازت البحرين على 12 نقطة فقط من أصل 100 نقطة، مقسمة على نقطتين فقط في مؤشر الحقوق السياسية و(10) نقاط في مؤشر الحريات المدنية، بينما لم تحصل على أي نقاط في باقي التصنيفات. وعن حرية التعبير، قالت المنظمة إن “وسائل الإعلام في البحرين غير مستقلة، هناك 6 صحفيين يقبعون خلف القضبان. وقد رفضت السلطات تجديد أوراق اعتماد صحفيين عاملين لوسائل إعلام أجنبية، ولا يمكن للصحفيين الدوليين دخول البحرين”.
هذا وبالإضافة إلى تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” الذي وضع البحرين في المركز 168 في العالم في تقريرها الأخير في نسخة 2021 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، لتنفي الأرقام جملة وتفصيلًا ما تدعيه الحكومة البحرينية من سعيها إلى طي صفحة الماضي وبدء عصر جديد من الانفتاح نحو فضاء أوسع للحريات والمشاركة السياسية.
اشتهرت البحرين خلال العقد الماضي بسجلها الحافل بالانتهاكات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، لتسجل 1755 انتهاكًا منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد عام 2011 حتى نهاية عام 2021، ما جعلها عرضة للمسائلة والانتقادات من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية. هذه الانتقادات دفعت الحكومة البحرينية للبحث عن حلول لتلميع صورتها، تمثلت بتصريحات الحكومة التي أكدت على “مواصلة تطوير النظام القانوني وتعزيز العدالة والحريات الفردية ومنظومة حقوق الإنسان” في مارس 2021، وقبل ذلك اقرار قانون العقوبات البديلة.
هذه الوعود لم تترجم بشكل واقعي على أرض الواقع. ووثقت رابطة الصحافة البحرينية 49 تعدًّ خلال العام 2021 على الحريات الإعلامية وحرية الرأي والتعبير في البحرين، لم تقتصر هذه الانتهاكات على الاستدعاءات والاعتقالات التعسفية، بل اخذت أوجهًا مختلفة كمنع وزارة العدل (10 نوفمبر 2021) لندوة افتراضية على تطبيق “زوم” للتواصل المرئي بعنوان “خطة التعافي الاقتصادية: رؤية تحليلية” كان من المفترض أن يشارك فيها القيادي في جمعية “وعد” المحلولة إبراهيم شريف، بالإضافة إلى فضيحة تجسس الحكومة البحرينية على معارضيها داخل وخارج أراضيها، عبر برنامج بيغاسوس الإسرائيلي.
حتى قانون العقوبات البديلة الذي لقي قبولًا في غالبية مؤسسات المجتمع المدني لم يسر بالشكل المتوقع والمأمول منه، فقد استثني من القانون المحكومون في القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وخصوصًا من القيادات السياسية للمعارضة والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، منهم من أكمل عامه العاشر خلف القضبان، وأشرفت فترة حكمه على نهايتها، ومنهم من يواجه أحكامًا بالمؤبد. جميع هؤلاء معتقلو رأي تعرضوا للتعذيب و انتزعت منهم الاعترافات بالقوة في محاكمات مجحفة لم تخضع لمعايير قانونية عادلة سواءً وفق القوانين المعمول بها في البحرين أو الاتفاقات الدولية التي تعهدت البحرين الالتزام بها.
في المقابل، وقع مجلس النواب خلال عام 2021 مرسومًا يمنع على أعضاء مجلس النواب أنفسهم “توجيه النقد أو اللوم أو الاتهام” للحكومة، ما يعكس رغبة الحكومة في إبقاء كل الأصوات تحت جناحها وبما يتوافق مع رؤيتها للأمور، دون إفساح المجال لمن هم في الداخل أن يبدوا أي اعتراض على قراراتها.
ما تحتاجه البحرين هو إصلاحات ضرورية لا من أجل تعزيز الصورة الحضارية للبحرين أمام المجتمع الدولي، بل لتكون لتأسيس مسار جديد يمكن الرهان عليه لحلحة التعقيدات السياسية التي ولدتها الأزمة عام 2011، ولتخفيف الاحتقان لدى الشارع المعارض الذي يشكل شريحة واسعة من الشعب البحريني، ومنحه فرصة جديدة للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.
إن الحديث عن أي إصلاحات حقيقية لا يكون إلا عبر تعديلات جذرية تطال القوانين المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والصحافة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، بالإضافة إلى إعادة الجنسية للصحفيين والمعارضين المسقطة جنسياتهم، ما تحتاجه البحرين هو قرارات شجاعة وسريعة لا قرارات مترددة بطيئة وإلا فإن كل الوعود التي أطلقتها الحكومة ستبقى تحت خانة الدعاية السياسية التي سيظهر عاجلًا أم آجلًا عدم جديتها.