حرية الرأي والتعبير هي الممر الإلزامي للديمقراطية الحقيقية في البحرين
تعيش البحرين تقلبات سياسية منذ وفاة رئيس الوزراء السابق الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وتولي ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة رئاسة الحكومة رسميا. تبعث البحرين مؤشرات عن قرب انفراجة سياسية أو حقوقية، لكنها سرعان ما تقوم باعتقالات تستهدف مواطنين في شتى المجالات، حتى الديني منها، كما حصل في موسم عاشوراء.لا تزال البلاد تعيش حالة التقلب تلك، بين نهج إصلاحي مرتقب، وبين تشدد سياسي مفرط لم يتوقف منذ مارس/آذار 2011.بيد أن واحدة من أسوأ الانتكاسات التي منيت بها البحرين منذ سحق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، كانت الحملة التي لم تتوقف على الحريات الصحفية والإعلامية، وحرية الرأي والتعبير في البلاد.
استهداف الصحفيين والمدونين
منذ العام 2011 اعتقلت السلطات عشرات الصحفيين، المصورين والمدونين، وقتل ثلاثة إعلاميين وهم (الناشر عبدالكريم فخراوي، المدون زكريا العشيري والمصور أحمد إسماعيل)، واضطر العديد من الصحفيين والمثقفين والكتاب إلى مغادرة البلاد، إلا أنها واصلت السلطات استهدافهم عبر تحريك القضايا الكيدية ضدهم، وصولاً إلى إسقاط جنسية أربعة منهم على الأقل (الناقد علي الديري، الصحفي عباس بوصفوان، المدون علي عبدالإمام والمدون حسين يوسف).
حل الجمعيات السياسية المعارضة والصحيفة المستقلة الوحيدة
كما قررت الحكومة حل جمعيتي الوفاق الوطني الاسلامية وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) المعارضتين، بسبب آراء معارضة عبرت عنهما الجمعيتان بشكل سلمي وقانوني وفق ما كفله الدستور والقانون الذي نظّم عمل الجمعيات السياسية، وهي خطوة ساهمت في تقليص هامش حرية الرأي والتعبير بشكل كبير وملحوظ.وإلى جانب حل الجمعيات السياسية، أقدمت الحكومة على إغلاق صحيفة الوسط وهي الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، ما أدى في المحصلة إلى غياب أي صوت معارض أو ناقد للحكومة في الصحف اليومية المحلية.
ملاحقة نشطاء الانترنت
بعد الإجهاز على الصحافة المستقلة في البلاد، فتحت الحكومة معركة جديدة (مستمرة حتى اليوم)، للقضاء على حرية الرأي والتعبير، وذلك باستهداف المواطنين الذين يستخدمون الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن سخطهم، رفضهم أو انتقادهم للأداء الحكومي في المجالات السياسية، المعيشية والاقتصادية، وكان لافتاً بدء الحكومة في استهداف المعارضين، وتوسعها لاحقاً لتشمل الموالين، الذين صاروا زواراً اعتياديين لمبنى التحقيقات الجنائية، والمحاكم التي سجنت عدداً منهم.
لقد بلغت انتهاكات حرية الرأي والتعبير، منذ اندلاع الاحتجاجات في فبراير/شباط 2011 حتى نهاية يونيو/حزيران من العام الجاري 2021 نحو 1721 انتهاكاً. ووفق إحصائية أعدتها رابطة الصحافة البحرينية، فإن النصف الأول من العام الحالي شهد تراجعاً ملحوظاً في عدد الانتهاكات المسجلة ضد حرية الرأي والتعبير التي بلغت 15 حالة فقط، مقارنة مع 78 حالة للفترة ذاتها من العام الماضي، إلا أن تراجع عدد الحالات لم يعني بأي حالٍ من الأحوال تقدماً في مجال الحريات، لكنه يعود إلى توقف معظم النشطاء والمواطنين من الخوض في النقاشات العامة بأسمائهم الحقيقية، وممارسة رقابة ذاتية على أنفسهم كي لا يكونوا تحت طائلة المساءلة.
دور إدارة الجرائم الالكترونية
من جهتها واصلت الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني (إدارة الجرائم الإلكترونية) نشاطها المحموم في ملاحقة نشطاء الانترنت بلا هوادة.
وبالرغم من أن الهدف الرئيسي من إنشاء هذه الإدارة كان مكافحة جرائم غسيل الأموال، القرصنة الإلكترونية، استغلال الأطفال في المواد الإباحية والمطاردة الإلكترونية للفيروسات وبرامج القرصنة والاحتيال على بطاقات الائتمان عبر الإنترنت، لكنها عملياً تخصصت في متابعة كل شاردة وواردة يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الفضاء العام الافتراضي من قبل المواطنين.
لقد أدت الرقابة الشديدة على الانترنت من قبل الإدارة – التي تُعرف في أوساط المواطنين باسم إدارة الجرائم الإلكترونية – إلى استدعاء العشرات والتحقيق معهم، وهو ما انتهى في أحيان كثيرة بتوجيه التهم، وصولاً إلى محاكمة وسجن المواطنين.
خاتمة
لقد أدت حملات القمع المتواصلة إلى القضاء على الحريات العامة التي أطلقت مع المشروع الإصلاحي في العام 2001، وهو ما أدى إلى تراجع البحرين في مؤشرات مهمة عالمياً كمؤشر الديمقراطية، الحريات، ورافق ذلك تراجع مريع في ملف حقوق الإنسان.مع تولي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ذو النزعة الإصلاحية لرئاسة الحكومة، فإن البحرين تقف الآن أمام فرصة حقيقية لتحسين صورتها، وخلق حالة من التهدئة توقف الاحتقان المستمر منذ عشرة أعوام، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على الوضع العام في البلاد، ويمهد لمشاركة المعارضة في الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها أواخر العام المقبل 2022.
توصيات
ترى رابطة الصحافة البحرينية إن البحرين ملزمة بمعالجة ملف حرية الرأي والتعبير، والتوقف عن استهداف المواطنين بسبب تعبيرهم عن آرائهم، عبر القيام بالخطوات التالية:
1- وقف النشاط المشبوه وغير القانوني للإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني (إدارة الجرائم الإلكترونية)، عبر سحب صلاحياتها في مراقبة المواطنين والتحقيق معهم لتعبيرهم عن آرائهم.
2- إعادة الجنسية للصحفيين (علي الديري، عباس بوصفوان، علي عبدالإمام وحسين يوسف) المسقطة جنسيتهم لممارستهم نشاطهم الصحفي والإعلامي المناهض للحكومة.
3- السماح لصحيفة الوسط المستقلة بالصدور مجدداً ومنح الصحف المحلية حصانة من أي استهداف حكومي وأن يكون القضاء هو المعني بالبت في أي قضايا تخص الصحف.
4- سن قوانين جديدة تمنع سجن المواطنين بسبب إدلائهم بآرائهم والاكتفاء بالغرامات المالية كعقوبة للحالات التي يتم إدانتها قضائياً بتهم (السب والقذف والتشهير).
5- إعادة فتح جمعيتي الوفاق ووعد المعارضتين والسماح لمنتسبيهم بممارسة أنشطتهم دون تضييق أو ملاحقة، بالإضافة إلى إلغاء قانون العزل السياسي غير الدستوري.
6- التوسع في تطبيق قانون العقوبات البديلة ليشمل الصحفيين وأصحاب الرأي المعتقلين.