الصحافة السياسية في البحرين: في خدمة الدولة وسياساتها

تاريخيًا، يمتد تسلط الدولة في البحرين على مؤسسات الصحافة منذ بدايات تشكل الدولة وحتى العام 2001، حيث جرت العادة على أن تبعث الدولة مندوبيها لمقرات الصحف للإطلاع على النسخة الأخيرة من الصحيفة قبل الطبع والسماح بالطباعة، فيما كانت ولا تزال محطات التلفزيون والإذاعة تحت إدارة مباشرة من الدولة التي كانت تتمثل في وزارة الإعلام ومن ثم في ثوبها الجديد وهو هيئة شئون الإعلام. لم يكن ممكنًا للصحافة السياسية ومقالات الرأي في هذه الصحف أن تخرج عن مسار ما تقرره سلطات مجلس الوزراء ووزارة الداخلية، فمن المعروف أن الصحف بشكل خاص تدار عبر الهاتف: “اعملوا كذا”، “تجاهلوا كذا”، وبهذا أصبحت الصحافة السياسية على وجه الخصوص نشرة يومية تابعة للحكومة ووزارة الداخلية.

2001: عهد جديد

إعلان عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة إصلاحًا سياسيًا في العام ٢٠٠١ والسماح بحريات أكبر على صعيد المجتمع المدني والصحافة تجلى في الافراج عن المعتقلين السياسيين والسماح للمنفيين والمغتربين بالعودة. وقتئذ، رافقت هذه الإصلاحات نقلة نوعية على صعيد حرية الصحافة، خصوصًا على المستوى السياسي، كان ظهور صحيفة الوسط حدثًا فارقًا بسقف سياسي مرتفع أجبر حينها الصحف الممولة من الدولة على مسايرتها.

رفعت صحيفة الوسط على وجه الخصوص ومن بعدها صحيفة الوقت سقف الحريات في تناول الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومتابعة الشئون المحلية والإقليمية ما خلق لدى بقية الصحف التي تأسست قبل هذه الحقبة روح التنافس ومعايشة متطلبات المرحلة، مع بقائها ممثلاً لصوت الدولة وسياساتها، وخصوصا عبر عدد من الكُتاب/الكاتبات الذي لم يخلعوا/ن ثوب التبعية أبدا، حتى عندما كانت السماء تمطر حرية. ساهمت هذه النقلة النوعية في رفع الوعي السياسي والحقوقي وكذلك منح فسحة من الحريات والقدرة على التعبير عبر الصحافة التي عكست واقع الناس وتطلعاتهم ومشاكلهم على مستويات مختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما سمحت هذه الأجواء بأن يكون لغالبية المعارضين/ات صوتا مسموعا في الصحافة، عبر استضافتهم/ن، تغطية فعاليتهم/ن، نشر بياناتهم/ن، وإن كانت أقل في الإذاعة والتلفزيون، وهو ما جعل الصحافة الورقية شاملة نوعا ما لمختلف الآراء الموجودة على الساحة السياسية والتي كانت في بداية العهد متقاربة إلى حد بعيد، وبدأت في الاختلاف شيئا فشيئا مع اتضاح تفاصيل الديمقراطية الجديدة وكذلك التغلغل في العمل السياسي. تغطية قضايا الفساد، المناقشات في البرلمان، عرض الآراء السياسية المختلفة، بالإضافة لتقاطع القضايا الاقتصادية الاجتماعية وحتى الدينية مع الأمور السياسية، كانت كلها ملفات متاح تناولها والاشتباك معها في الصحافة.

2011: انتكاسة جديدة

بعد الاحتجاجات الشعبية فبراير 2011 وما تلاها من تفاقم للأزمة السياسية والأمنية في البلاد، عاد الحديث عن التعذيب، تعويضات المتضررين من انتهاكات حقوق الانسان، عيد استقلال البلاد الذي تجاهلته الدولة لعقود، الممارسات الطائفية، دور المعارضة وآرائها في العمل السياسي المحلي وغيرها من الموضوعات لتكون من الخطوط الحمراء.عودة القبضة الأمنية أدت إلى العودة إلى ما قبل عهد الإصلاح على جميع الأصعدة وخصوصا على الصعيدين الأمني والحريات، ففي العام ٢٠١٦، تم اغلاق صحيفة الوسط بشكل نهائي بعد مضايقات متواصلة واغلاقات إدارية لعدة مرات، وذلك بطريقة غير قانونية حيث لم يصدر حكم قضائي بذلك كما ينص القانون البحريني. كما تم التضييق على كافة المنصات الإعلامية الأخرى لتغلق أبوابها، أو تمتنع عن النشر أو تنشر ما يُسمح لها بنشره فقط، ما جعل أغلبها نشرات لبيانات صحافية تصدر عن الجهات الرسمية والشركات دون تمعن أو تنقيح أو حتى تحرير في العديد من الأحيان.

المواقع الالكترونية كانت تعاني ما قبل عهد الإصلاح، خلاله، وبعد انفراط العقد الأمني من تضييق الدولة عليها وعلى محتواها، فلا تتواني وزارة الإعلام ولاحقا هيئة شئون الإعلام عن حجب المواقع التي لا تتناسب وتوجهاتها أو الممثلة لمعارضيها، بالإضافة لكونها أكثر تحررا في التعاطي مع الشأن المحلي ومع الألقاب والمناصب، أكثر من تلك المطبوعة والمرئية والمسموعة. التضييق نال المراسلين الذين كانوا يتناولون الشأن السياسي في البلاد، فتم سحب تراخيصهم، خصوصا المصورين الذين غطوا التظاهرات والاحتجاجات وأظهروا صورة للبحرين لا تود السلطة السياسية في البلاد إظهارها للعلن، ما كانت تريده الدولة هو الترويج لاستقرار غير موجود، بمعنى أن توضع الأزمة السياسية وظواهرها في الشارع كالغبار تحت السجادة كي لا يراه المجتمع الدولي.

استخدمت الدولة العديد من القوانين المطاطة في القانون الجنائي البحريني لاستهداف الصحافة، وخصوصا السياسية منها، فيتم استدعاء الصحافيين/ات الذين/اللواتي يتناولون موضوعات تعتبرها السلطة مزعجة أو خطا أحمر، كموضوع التجنيس السياسي، الطائفية، الأزمة السياسية بالإضافة للحساسيات مع دول الجوار كقطر وإيران، واستجوابهم/ن ومنعهم/ن من الكتابة في بعض الأحيان.

التضييق على صحافة الانترنت زاد، حتى طال مواقع إخبارية قطرية عندما قررت السلطة السياسية في البلاد مقاطعة شقيقتها الخليجية في خلاف خليجي – خليجي، الحجب أصبح ديدن هيئة شئون الإعلام دون الحاجة لإشعار أو إجراءات رسمية، وهي آثار لا زالت باقية من تداعيات 2011، وأصبحت سلوكا رسميا وهو الإجراء المعتمد من قبل السلطة ضد كل ما يختلف ولا (مصطلحيا) عن البيانات الرسمية.انتقاد السلطة التشريعية، القضائية، التنفيذية من المحرمات، انتقاد الإجراءات الإدارية المجحفة، تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الانسان، الإشارة للأزمة السياسية، الإشارة لوضع السجون، المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، كلها محرمات رغم أن الدستور يكفل تعاطيها والاشتغال بها. أدت التفسيرات الحادة للقوانين وخصوصا الجديدة منها، التي تم سنها بعد عام 2013، مع اشتداد القبضة الأمنية، فأصبحت تحرم البحرينيين/ات من حقوق كفلها الدستور، كبل الواقع الجديد الصحافة وحرية التعبير والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ففي ماذا إذا تنشغل الصحافة أو تشتغل؟

زر الذهاب إلى الأعلى