الإعلام في البحرين حين يتحول لكراهيات منفلتة في واقع متأزم
يُطالب الجميع بإعلام جامع وحيادي وموضوعي ينشر هموم الناس ومشاكلهم، يدافع عنهم، ويشير إلى مواطن الفساد ويسلط الضوء علها، كما يراعي حقوق الانسان وخصوصيات الناس وشئونهم الخاصة، يكون صوتهم ومرآة للمجتمع وما يحدث فيه.
ولكنهم أيضا يعلمون ويرددون جميعًا أن الإعلام سلاح ذو حدّين، فهو قد يستخدم للأهداف أعلاه، وقد يستخدم ضدها، ويكون أداة في يد سلطة سياسية أو اجتماعية أو دينية تتسبب في قمع ما لا يتوافق معها من أفكار وتوجهات وميول، من قمع لمعارضين، أو لنساء، أو لأجانب، أو لمعتنقي دين أو مذهب معين.
هذا ما يحدث اليوم على الساحة البحرينية التي خلت من إعلام حر مستقل، فراحت وسائل الإعلام المهيمنة التي تصدر داخل البلاد والمتمثلة في قنوات تلفزيونية وإذاعية صادرة عن هيئة شئون الإعلام، وهي هيئة حكومية، وصحف يرعاها ويملكها في بعض الأحيان أفراد من العائلة المالكة أو مستشارون لهم، لذا فهي لا تخرج من إطار الترويج لكل ما تقوم السلطات السياسية في البلاد من باب الاحتفاء بـ”الإنجازات” وإبراز “التطورات”، بالإضافة لشيطنة المعارضة بكل أنواعها وأشكالها، وخطاب كراهية ضد كل ما هو مختلف تحت غطاء العادات والتقاليد أو خصوصية المجتمع.
أدى حراك عام ٢٠١١ في البحرين الجزيرة الصغيرة إلى تشدد الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بخطاب كراهية كان قد بدأه قبل عقود ضد مكون كبير من الشعب، ولكنه تكرّس وتعمّق وأصبح أكثر بذاءة، جاء ذلك في الوقت الذي مُنع الإعلام المحايد والمستقل من العمل بعد إغلاق صحيفة الوسط ومنع المراسلين من العمل داخل البلاد إلا أولئك الذي يراسلون وسائل إعلام خليجية لا تختلف توجهاتها عن توجهات الحكومة.
الإعلام الحكومي لم يتردد عن توجيه سِهام الطائفية، الكراهية، التصغير، السخرية، السباب والكذب باتجاه كل من يختلف مع السلطة سياسيا، طائفيا، عقائديا أو حتى في الأصول، فجأة ظهر على السطح (معايرة) الناس بطائفتهم كما لم يحدث مسبقا، بمراجعهم الدينية، بمذاهبهم بالإضافة لأصولهم في بعض الأحيان، وبما تقدم لهم الدولة من خدمات كمواطنين فيها، والتي أشار لها تقرير لجنة تقصّي الحقائق عندما أشار إلى أن تلفزيون البحرين عرض مواداً تشتمل على “لغة مهينة وتغطية تحريضية للأحداث، وقد يكون بعضها انطوى على التشهير”.
واستمر هذا الإعلام حتى يومنا هذا في لغة الكراهية والتسقيط رغم انحسار مد الكراهية الذي نال جهات وأشخاص عديدة كانت تمثل مكونا عريضًا من المواطنين، وأصبح اليوم خطابا عاديا يتداول بشكل شبه يومي على شاشات التلفزيون وعلى صفحات الجرائد وعبر أثير الإذاعات.
لم يقتصر دور التحريض والكراهية على الإعلام الرسمي وشبه الرسمي؟ ففي وسط موجة من الكراهيات المنفلتة يمينا وشمالا، عملت بعض المنصات التابعة للمعارضة وأخرى تمثلها، على سلك الطريق ذاته، فقد تركز خطاب الكراهية هنا على المجنسين والمقيمين والعمال الأجانب، كما شملت في السنة الأخيرة تابعين للديانة اليهودية بعد نقمة توقيع الحكومة اتفاق ابراهيم مع الحكومة الاسرائيلية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية، السياسية، الاقتصادية والأمنية.
أتُهمت حكومة البحرين باتباع استراتيجية التجنيس السياسي لتغيير التركيبة السكانية والتحكم بنتائج الانتخابات منذ أكثر من عقدين، مما جعل خطابا من الكراهية يتنامى ضد فئة معينة من الأجانب، من جنسيات معينة، وصاروا يُحمّلون تبعات النقص في الوظائف والضغط على الخدمات التعليمية والصحية، كما حُملوا ذنب ديون الحكومة وتردي الحالة الاقتصادية في البلاد.
لم يكن ذلك خطاب الشارع فقط، بل تبناه الإعلام المعارض أو ذلك المحسوب على الضفة الأخرى من الإعلام الحكومي، فاستصغر من إنسانية هؤلاء واستكثر عليهم حقوق طبيعية.
لا يختلف المجتمع البحريني (مع أفضلية نسبية) عن جيرانه الخليجيين في التعامل مع العمالة الأجنبية، اتهمت بعض الفئات من العمالة الأجنبية بنشر فايروس كورونا بسبب جهلهم، عدم التزامهم بالقوانين، أو عدم التزامهم بقواعد النظافة، دون الجنسيات الأخرى.
ومع تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي وتواجد الأجانب على هذه المنصات، تتبلور مظاهر العنصرية والتمييز ضدهم بوضوح من خلال التعليقات أو حتى التصيد عليهم وعلى حياتهم الشخصية واستكثار الحياة الكريمة عليهم، فأصبح المواطنون يتصيدون من منهم ينشر فيديو أو صورة فيها مظهر باذخ، أو يتباهى فيه بجنسيته الجديدة كما أغلب المغتربين واللاجئين، فيمطرونه بالكراهية والسباب وتحميل اللوم على ما هم فيه من حال بؤس.
لا يخفى على أحد أن هذه العنصرية موجهة ضد من هم من أصول آسيوية وأفريقية فقط، فيما يترفع المواطنين ووسائل الإعلام على التمييز ضد الأجانب البيض من أصول أوروبية أو أمريكية وهم كثر في البلاد، ولهم امتيازاتهم عالية، كما أن الكثير منهم يحمل الجنسية البحرينية لسبب أو لآخر.
أما فيما يتعلق بالكراهية والتلفيق ضد معتنقي الديانة اليهودية، يبدو ذلك موجه ضد عدد من المواطنين اليهود الذين تم اتهامهم بالعمل مع المخابرات الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقية التطبيع لمجرد اعتناقهم الدين وقربهم من السلطة في البحرين، وهو أمر بعيد عن الحقيقة بالإضافة لكونه تحريضًا علي هؤلاء الأشخاص في ظل مشاعر متأججة نصرة للقضية الفلسطينية وشعبها.
يتلخص وضع الإعلام البحريني بين محرضين على الآخر ومؤججين الكراهية، فحتى الوصول لاتفاق أو معادلة سياسية معينة، ستبقى دمامل هذا الجرح مغروسة بين مكونات الشعب، ومن يعيشون معهم من عمالة أجنبية ومجنسين ومقيمين من مختلف الخلفيات.
الخروج من هذا المأزق يتطلب دولة ومؤسسات مجتمع مدني مسؤولة، وهو ما يبدو بعيدًا عن المنال، خصوصًا وأن هذه المؤسسات قبل غيرها؛ متورطة في هذا الوحل.