منصور الجمري: لقد تحوّل إلى هدف!

 

مثل عاصر القصب، استنفذ منصور الجمري (مواليد 1961) كامل الرّهان على مشروع الملك ومزاعمه في الإصلاح التي أطلقها مع مجيئه إلى الحكم مطلع الألفينات؛ حتى أرهقه.

المشروع الذي ظلّ «كليشيهاً» لعشرة أعوام يتصدّر عناوين الصحف والافتتاحيّات، وتحوّل إلى لازمة مضجرة في كل حملات النفاق، لم يتحمّل المعارض «اللندني» السابق، الذي عاد إلى وطنه 2001 وأسس صحيفة ناجحة مالياً وسياسيا واستمرّ النظر لها باستمرار على أنها إحدى ثمرات «الإصلاح»؛ حتى الشكليّ. لقد تحوّل إلى هدف!

حافظ الجمري على نسق متّسق من الخطاب طيلة عشرة أعوام. واستطاع تقديم نفسه من خلال صحيفته «الوسط»، نموذجاً لتوليفة خاصّة تناوش السلطة طبقاً للتقاليد، من دون أن تقع في فخ إهمال حساسيّاتها. على هذا، فقد كان كالماشي على الحواف: حفظ جميع «شعارات» الإصلاح التي ميّزت الفترة التي أعقبت مجيء الملك إلى الحكم، والتي حفظها آخرون أيضاً لأسبابهم، لكن مرّر من خلالها ما يريده. وحين جرى استهدافه لذلك، ضمن حملة شاملة طالت آلاف النشطاء، كان ثمة نتيجة تترسخ بموازاة من ذلك: أن «الشعارات» التي أديرت بها مرحلة كاملة امتدت لعشرت أعوام، كانت مجرّد «شعارات»!

وقد عبّر الجمري نفسه عن جانب من ذلك، معقباً على أسئلة صحافي أجنبي عن أسباب ملاحقته قضائياً «أنا حقاً مندهش جداً، كنت جزءا لا يتجزأ من عملية الإصلاح». وخلال محاكمته (15 يونيو/ حزيران 2011)، كشف عن خطاب تلقاه من الملك، قبل وقت قليل من تقدمه باستقالته «يشيد فيه بدور صحيفة الوسط في الصحافة البحرينية، وثناء لما تلعبه في الساحة السياسية والصحفية». ليشكّل بذلك مفاجأة في المحكمة التي أمرت بتأجيل القضية.

وفي اللحظة التي أُغلقت فيها «الوسط» (3 أبريل/نيسان 2011)، وأجبر رئيسها و4 من كادر التحرير على الاستقالة (4 أبريل/ نيسان 2011) – قبل أن يعود ويمسك قيادتها ثانية،لكن بعد جراحة موضعية أطاحت بخمسة أعضاء من مجلس إدارتها، وبينهم أكبر المساهمين ورئيس مجلس إدارتها فاروق المؤيد -، كان واضحاً مستوى «الإرهاق» الذي بلغه مشروع الملك. لقد تبخر!

وقد صرّح الجمري لاحقاً في حوار تلفزيوني بأن «الجيش هدّد بوضع يده على الصحيفة، ما لم يقم بالاستقالة».

خلال الاحتجاجات التي شهدتها البحرين في 14 فبراير/ شباط، كان الجمري يدعو المحتجّين في  «دوار اللؤلؤة» إلى قبول دعوة الحكم إلى التفاوض. وقاد محاولات لإقناع قيادات في المعارضة، بالتشبث في سقف «الملكية الدستورية» التي بدت لدى البعض للوهلة، تحت سطوة المدّ الباهر للأحداث، أن الأيام قد تجاوزتها. الشيء الذي كان أن ينبغي أن يُكافأ عليه، تحوّل إلى برنامج لاستهدافه.

أُحرقت مطبعة جريدته في 15 مارس/ آذار 2011. ثم دُسّت له رسائل «توريطيّة» (تبيّن أن مصدرها السعوديّة)، لنشرها، ثم لتستغل ضدّه، حيث جرى استهدافه، وصحيفته. وبعد أشهر من ذلك، استبعد تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، أن تكون هناك أية قصديّة وراء نشر هذه الرسائل «لايمكن للجنة أن تخلص إلى أن هناك أي سوء قصد في نشر الوسط لأخبار كاذبة أو مضللة».

لم تمض أيّام على صدور هذه الشهادة، حتى حاز في الشهر نفسه (22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) على الجائزة الدولية لحرية الصحافة التي تقدمها لجنة حماية الصحفيين بنيويورك. وقد وصف جويل سايمون، المدير التنفيذي للجهة المانحة لها، وهي لجنة حماية الصحفيين، الجمري قائلاً «إنه من خلال مقاومته للتهديدات والإساءات، يمنح صوتاً للمقاومة اليومية في بلده من أجل ضمان حقنا العالمي في تلقي المعلومات المستقلة والموثوقة».

زر الذهاب إلى الأعلى