إبراهيم شريف: شاهد على الحقيقة المزيّفة

قد لا يكون هناك مثال أوضح على الحقيقة المزيّفة في البحرين أكثر من محاكمة إبراهيم شريف. أمين عام جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد»، اليساري وابن الحركة القومية، اتهمته السلطات البحرينية بالدعوة إلى قيام «جمهورية إسلامية تابعة لإيران»، وقضت بناءاً على ذلك، وتهم أخرى، بسجنه خمسة أعوام.

في مرافعته التي قرأها أمام المحكمة يوم 5 يونيو/ حزيران 2012، ووصفت بأنها «تاريخية» وتمثل، حسب رأي معارضين، أقوى الخطابات التي شهدتها أروقة المحاكم في البحرين، سخر شريف من  التهمة التي بنيت في الأساس اعتماداً على ادعاءات رائد في جهاز الأمن الوطني، وهو عيسى السليطي الذي كان خصمه في المحكمة.

وقد علق متسائلاً «ألا يعلم هذا الرائد أن مثل هذه الادعاءات حول شخص معروف بانتمائه للفكر السياسي الليبرالي العلماني المعارض لفكرة الدولة الدينية، وواحد من أبناء الطائفة السنية ستثير الضحك».

إنها مسألة مثيرة للضحك فعلاً، لكن الحكومة البحرينية التي تحكم سيطرتها على مفاصل القضاء، رغم نفيها الشكلي لذلك، مضت في ذلك غير آبهة بكل الالتزامات التي أعلنت القبول بها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة، يوليو/ أيلول  2012 وبينها إسقاط جميع تهم الرأي.

وقد قضت محكمة مدنية في الشهر نفسه بتثبيت الحكم بسجن شريف مدة خمس سنوات، وهو الحكم الذي صدر بداية في محكمة عسكرية ثم حوّل إلى المراجعة الشكلية في محكمة مدنية، إثر ضغوط من الغرب، لكن من دون أن يغيّر ذلك أي شيء في مضمونه.

يُنظر إلى شريف على أنه واحد من الشخصيات المعارضة الذكيّة الذي تمثل آراؤه حجة دامغة يعتد بها في شئون الاقتصاد الذي ينخر فيه الفساد. وقد تسبّبت آراء له في هذا الصدد ساقها في حوار معه على شاشة تلفزيون البحرين العام 2008 إلى إقالة وزير للإعلام.

ولدى اندلاع شرارة 14 فبراير/ شباط 2011، كان لوجوده وجمعيّته «وعد» التي تمثل تيار اليسار القومي، إضافة ذات معنى في حراك تميّز بغلبة لون اجتماعي معيّن على جمهوره. وقد قاد إحدى أهمّ المسيرات الشبابيّة التي توجّهت إلى دوار اللؤلؤة الذي كان محاصراً وقتئذ بمئات من عناصر الشرطة والجيش، حيث تمكّن المحتجّون في 21 فبراير/ شباط من إعادة الاستيلاء عليه، بعد أيّام من إخلائه بالقوّة. رغم أن الجمعيّة التي يترأس أمانتها، لم تعلن موقفاً واضحاً بشأن الدعوة لها، أو تؤيّدها.

وتمثل صورته أمام قصر الحكومة في المنامة إلى جانب رجل الدين وأمين عام «الوفاق» الشيخ علي سلمان، وهما يمسكان بلافتة كتب عليها «لاسنية ولا شيعية»، نموذجاً رمزياً حيّاً على واحدة من الرسائل التي أراد معارضو الحكومة إرسالها وطمأنة بها فئات خائفة. وكان دوره في الانتفاضة، كما عبّرت لاحقاً ابنته يارا، في مقالة مؤثرة «تثقيف الناس بما ينبغي أن تكون عليه الملكية الدستورية».

جاء اعتقاله فجر يوم 17 مارس/ آذار، بعد يوم من دخول الجيش دوار اللؤلؤة وإخلائه من المحتجّين بالقوّة العارية، ليرسم صورة «ذات معنى» لحراك حاول الإعلام الرسمي بقوّة تصويره على أنه حراك «طائفيّ». وهي سياسة رسمية اعتمدتها الحكومة في مواجهته.

في شهادته على الظروف التي لقيها في أثناء السجن، يذكر المحقق الدولي محمود بسيوني الذي ترأس لجنة للتحقيق، في تقريره «عندما اقتيد إلى زنزانته تم سكب الماء البارد على الوسائد والفراش والبطاطين وتشغيل مكيفات الهواء، كما تناوب عليه مجموعة من الرجال الملثمين بصفعه ولكمه وركله، وقد شعر بأن شخصاً وضع إصبعه في شرجه».

ويشير التقرير في قسم الإفادات، حيث خصّص له الحالة رقم «11»، إلى أن شريف كان «يضرب في اليوم الواحد مرتين أو ثلاث مرات وذلك باستخدام الخراطيم مع سكب الماء البارد عليه وعلى فراشه، كما خضع للاستجواب وهو معصوب العينين».

كانت هذه شهادة بسيوني بعد الحكم على شريف بالسجن 5 أعوام في محكمة السلامة الوطنية، وهي محكمة عسكرية، وقضاتها من العسكر. وبعد أشهر من ذلك، حيث أعيدت إجراءات التقاضي في محكمة مدنية، تلقّى شريف الحكم نفسه، رغم إثبات تعذيبه. إن شيئاً لم يتغيّر، ولا أي شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى